في تفسير سورة الانفطار
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا
الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ
بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ
رَكَّبَكَ (١) و (٨)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة التكوير اردفت بسورة الإنفطار الرادفة لها في المطالب وبيان أهوال القيامة ، فافتتحها سبحانه على دأبه بذكر أسمائه الحسنى المباركة بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بذكر بعض أهوال القيامة بقوله : ﴿إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾ وانشقّت أبوابا لنزول الملائكة ، أو لرفعها (١) وطيّها ﴿وَإِذَا الْكَواكِبُ﴾ كلّها ﴿انْتَثَرَتْ﴾ وتساقطت وتفرّقت لانتقاض تركيب السماء وطيّها ﴿وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ﴾ وارتفعت الحواجز من بينها بحيث يصير الكلّ بحرا واحدا ، أو ذهب ماؤها فيبست ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ وقلب أسفلها أعلاها وباطنها ظاهرها ، لخروج الموتى منها ، فبعد وقوع تلك الأشراط العلوية والسفلية للساعة قامت القيامة وحينئذ ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ أي نفس كانت ﴿ما قَدَّمَتْ﴾ ليومها (٢) ذلك من الأعمال التي عملها حال حياته ﴿وَأَخَّرَتْ﴾ وتركت (٣) من سنة حسنة أو سيئة يستنّ بها بعد موته ، ثمّ يقال : ﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ﴾ العاقل بعد ما أخبرك الأنبياء بأنّ الله يعذّبك على الكفر والعصيان في دار الجزاء أشدّ العذاب ﴿ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ وأيّ شيء جرّأك على عصيانه وآمنك من عقابه إلى حدّ لا يجوز ، مع غاية كرمه العفو عنك والتجاوز عن الانتقام منك ؟
قيل : إنّ توصيف ذاته المقدّسة بالكرم حسبما كان الشيطان يغويه بقوله : افعل ما شئت فانّ ربّك كريم ، مع أنّ كرمه لا يوجب الاغترار به (٤) .
__________________
(١) في النسخة : لرفعهن.
(٢) في النسخة : ليومه.
(٣) زاد في النسخة : أو اين.
(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٧.