في تفسير سورة الضحى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة والليل المتضمّنة لبيان كون الدنيا والآخرة لله ، وفضيلة المؤمنين المنفقين في سبيل الله خالصا لوجهه ، وأنّ الله يرضيهم في الآخرة بثوابه ، نظمت سورة الأضحى المتصدّرة بالأيمان المناسبة لما صدر ما قبلها من الايمان المتضمّنة لبيان كون الآخرة خيرا من الدنيا ، ولمنّته على رسوله ، وفيه (١) على الانفاق على الفقير ، ووعده بإعطائه ما يرضى به من الدرجات العالية التي يغبطه بها الأولون والآخرون ، والشفاعة التي هي المقام المحمود ، وغيرها من النّعم التي لا تدركها العقول ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بالأيمان البالغة بقوله : ﴿وَالضُّحى﴾ وبوقت ارتفاع الشمس وتجلّي النهار ﴿وَاللَّيْلِ إِذا سَجى﴾ وسكن ظلامه ولا يزيد ولا ينقص إلى طلوع الفجر ، وقيل : يعني إذا سكن أهله (٢) ، وقيل : إذا أظلم (٣) . وعن ابن عباس : إذا غطّى الدنيا بالظّلمة (٤) .
قال الفخر الرازي : سورة ﴿وَاللَّيْلِ﴾ سورة أبي بكر ، وسورة ﴿وَالضُّحى﴾ سورة محمد صلىاللهعليهوآله ، وإنّما قدّم الله الليل على النهار في سورة أبي بكر ، لأنّ أبا بكر سبقه كفر ، وفي هذه السورة قدّم الضحى لأنّ الرسول ما سبقه كفر ، والإشارة إلى أنّه [ إذا ] ذكرت الليل أولا وهو أبو بكر ، وجدت بعده النهار وهو محمد صلىاللهعليهوآله ، إن ذكرت أولا الضحى وهو محمد ، وجدت بعده الليل وهو أبو بكر (٥) .
أقول : على تقدير تسليم كون سورة ﴿وَاللَّيْلِ﴾ سورة أبي بكر ، يحتمل كون النّكتة في تقديم الليل فيها على النهار الإشعار بظهور الظّلمة الظلماء بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله وبعد الظلمة ينجلي نور ولاية أوصيائه في آخر الزمان ، والنّكتة في تقديم الضحى في هذه السورة على الليل الإشارة إلى ظهور نور
__________________
(١) كذا ، والظاهر : وحثه.
(٢) تفسير أبي السعود ٩ : ١٦٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٥٣.
(٣و٤) تفسير الرازي ٣١ : ٢٠٧.
(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٢٠٨.