ووصيفة ، فيعطي الله المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كلّه » (١) .
قد مرّ عن ابن عباس مرارا أنّ جنة عدن علم لإحدى الجنات السبعة (٢) .
ولكم أيّها المؤمنون مع ذلك ثواب آخر ﴿وَ﴾ نعمة ﴿أُخْرى﴾ في الدنيا ﴿تُحِبُّونَها﴾ وتشتاقون إليها ، وهو ﴿نَصْرٌ﴾ عزيز لكم ﴿مِنَ﴾ جانب ﴿اللهِ﴾ على أعدائكم ﴿وَفَتْحٌ﴾ مبين لمكة ، أو الروم وفارس ﴿قَرِيبٌ﴾ وعاجل ﴿وَبَشِّرِ﴾ يا أيّها الرسول على حسب وظيفتكم ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ بي وبك بتلك النّعم الدنيوية والاخروية ، وفي توصيف النعمة الدنيوية ، وهو النصر على الأعداء وفتح المسلمين بقوله : ﴿تُحِبُّونَها﴾ إشعار بأنّهم يؤثرون رواج الاسلام وقوّة الدين على النّعم الاخروية.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ
أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي
إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا
ظاهِرِينَ (١٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان فوائد الايمان والجهاد ، حثّ المؤمنين على الجهاد ، ودعاهم إلى نصرة دينه بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ جاهدوا الأعداء و﴿كُونُوا أَنْصارَ اللهِ﴾ وأعوان رسوله في إعلاء كلمة التوحيد ورواج دين الاسلام ﴿كَما﴾ نصر الحواريون إذ ﴿قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ أو المعنى : قل يا محمد للمؤمنين بك : يا أيّها الذين آمنوا ، كونوا أنصار الله ، كما قال عيسى بن مريم ﴿لِلْحَوارِيِّينَ :﴾ يا حواريين ﴿مَنْ أَنْصارِي﴾ وإنّكم جندي وعسكري تقرّبا ﴿إِلَى اللهِ﴾ أو متوجّها إليه ﴿قالَ الْحَوارِيُّونَ :﴾ يا نبي الله ﴿نَحْنُ﴾ كلّنا ﴿أَنْصارَ اللهِ﴾ وحماة دينه ﴿فَآمَنَتْ﴾ بعيسى ﴿طائِفَةٌ﴾ وجماعة قليلة ﴿مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ وأطاعوه فيما أمرهم به من نصرة دينه ﴿وَكَفَرَتْ﴾ منهم ﴿طائِفَةٌ﴾ وجماعة اخرى.
عن ابن عباس ، قال : يعني الذين آمنوا بعيسى في زمانه ، والذين كفروا كذلك ، وذلك لأنّ عيسى لمّا رفع إلى السماء تفرّقوا ثلاث فرق ؛ فرقة قالوا : كان الله فارتفع ، وفرقة قالوا : كان ابن الله فرفعه إليه ، وفرقة قالوا : كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه ، وهم المسلمون ، واتّبع كلّ فرقة منهم طائفة من الناس ، واجتمعت الطائفتان الكافرتان على الطائفة المسلمة فقتلوهم وطردوهم في الأرض ، فكانت الحالة
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٤٢٣ ، تفسير روح البيان ٩ : ٥٠٧.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٥٠٨.