وعن ابن عباس : نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من الحديد : السّندان ، والكلبتان ، والميقعة (١) أو المقمعة - والمطرقة ، والإبرة (٢) .
وقيل : إنّ الإنزال التهيئه (٣) . وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنزاله خلقه » (٤) .
﴿وَ﴾ فيه مع ذلك ﴿مَنافِعُ﴾ كثيرة ﴿لِلنَّاسِ﴾ كافة ، فانّ انتظام العالم ومصالحه بالزراعة والحياكة والبناء والسلطنة ، ولا يتمّ شيء منها إلّا بالحديد ، فلو لم يكن الحديد لاختلّ جميع مصالح العالم ، ولذلك جعله الله تعالى بجوده ورحمته سهل الوجدان كثير الوجود ليستعملوه ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ﴾ ويميّز في الخارج ﴿مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ﴾ ومن يحامي عن دينه وأنبيائه بالسيوف والسّنان والنّبال ، مع أنّه تعالى ﴿بِالْغَيْبِ﴾ والستر عن نظر ذلك الناظر ، وهو مؤمن به بالدلائل و﴿إِنَ﴾ كان ﴿اللهُ﴾ العظيم لا يحتاج إلى نصرتكم وحمايتكم عن دينه ورسله ؛ لأنّه ﴿قَوِيٌ﴾ بذاته شديد البطش ﴿عَزِيزٌ﴾ وغالب غير مغلوب ، وإنّما يأمركم بذلك لحاجتكم إليه ، وعود نفعه إليكم في العاجل والآجل.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً
ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها
فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) و (٢٧)﴾
ثمّ لمّا أمر بنصرة رسله ، ذكر عظمة شأن بعض اولى العزم منهم بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً﴾ الذي هو أول اولي العزم من الرسل ﴿وَإِبْراهِيمَ﴾ الذي هو الثاني منهم ﴿وَجَعَلْنا﴾ وقرّرنا ﴿فِي ذُرِّيَّتِهِمَا﴾ ونسلهما طبقة بعد طبقة ﴿النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ﴾ ولم يك نبي إلّا من نسلهما ، ولم ينزل كتاب إلّا إليهم ﴿فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ﴾ إلى الحقّ مؤمن بالكتاب ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ﴾ وخارجون عن طاعة الله ؛ إما بالكفر ، وإمّا بالعصيان ﴿ثُمَ﴾ لمّا مات نوح وإبراهيم ﴿قَفَّيْنا﴾ واتّبعنا ﴿عَلى آثارِهِمْ﴾ وأعقابهم ﴿بِرُسُلِنا﴾ كهود وصالح وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأضرابهم واحدا بعد واحد حتّى انتهى إلى زمان عيسى عليهالسلام ﴿وَقَفَّيْنا﴾ واتبعناهم ﴿بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ وهو آخر أنبياء بني إسرائيل ﴿وَآتَيْناهُ﴾
__________________
(١) الميقعة : خشبة القصّار يدقّ عليها ، والمسنّ الطويل يحدّد به ، والمطرقة.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٤١ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٢١٢ ، وتفسير روح البيان ٩ : ٣٧٩ ، وقد نسباه إلى القيل.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٤٢.
(٤) الاحتجاج : ٢٥٠ ، تفسير الصافي ٩ : ١٣٩.