مقبول ﴿وَ﴾ الحال أنّي ﴿قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ﴾ وأعلمتكم في دار الدنيا بتوسّط رسلي وكتبي ﴿بِالْوَعِيدِ﴾ والعذاب الشديد على الشرك والطغيان ، وأتممت الحجّة عليكم ، وقطعت عذركم ، فاليوم ﴿ما يُبَدَّلُ﴾ ولا يغيّر ﴿الْقَوْلُ﴾ الذي قلته ، والوعيد الذي وعدته على الشرك والكفر والطغيان في كتابي بقولي : ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾(١) وقولي : ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ﴾(٢)﴿فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾(٣) .
﴿لَدَيَ﴾ بوقوع الخلف فيه ﴿وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ بتعذيبهم بغير استحقاق أشدّ العذاب مع كونهم أهلين للرحمة والعطوفة وإنّما نفى كثرة الظلم عن نفسه مع أنّه لا يصدر منه أقلّه ؛ لأنّه لو عذّبهم بهذا العذاب الشديد بغير استحقاق ، كان أكثر ظلما من كلّ ظالم.
قيل : إنّ كثرة الظلم المنفي باعتبار كثرة العبيد (٤) . وقيل : إنّ المبالغة راجعة إلى النفي ، لا إن النفي وارد على صيغة المبالغة (٥) . وقيل : إنّ الظلّام بمعنى الظالم ، كالتمّار بمعنى التامر.
وقيل : إنّ الظلام تقديري ، والمعنى أنّي لو ظلمت عبدي الضعيف المستحقّ لغاية الرحمة ، لكان ذلك غاية الظلم ، وما أنا بذلك (٦) . وقيل : إنّ نفي كونه ظلّاما لا ينافي نفي كونه ظالما ، ونفيه للعبيد لا ينافي عدم كونه ظالما لغيرهم (٧) .
﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ
لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٠) و (٣٢)﴾
وذكر العبيد والتخصيص بهم لكونهم أقرب إليه ، وكونه أقبح منه ، كما أنّه لا ينافي نفي كونه ظالما في جميع الأزمنة تخصيص نفيه بيوم القيامة بقوله : ﴿يَوْمَ﴾ والمعنى ما أنا بظلام للعبيد في يوم ﴿نَقُولُ﴾ في ذلك اليوم مع عظمتنا ، طلبا (٨) لتصديقنا في أخبارنا ، وتحقيق وعدنا ، وتقريع أهل العذاب ﴿لِجَهَنَّمَ﴾ ودار العذاب بعد إلقاء جميع الكفّار من الجنّ والإنس فيها : ﴿هَلِ امْتَلَأْتِ﴾ بمن ألقينا فيك ، وهل وفينا بوعدنا إيّاك أن نملأك من الجنّة والناس ؟ ﴿وَتَقُولُ﴾ جهنّم مجيبة لنا ، واستكثارا لما القي فيها مع غاية سعتها وتباعد أقطارها وأطرافها : يا رب ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ وموضع يمكن أن يلقى فيه (٩) زيادة على ما القي فيّ ، لا وعزّتك لم يبق فيّ موضع يسع إبرة.
وقيل : إنّ الاستفهام لطلب الزيادة غيظا على الكفّار والعصاة ، وكان السؤال قبل إدخال الكلّ فيها ، أو
__________________
(١) النساء : ٤ / ٤٨ و١١٦.
(٢) النساء : ٤ / ٤٨ و١١٦.
(٣) البقرة : ٢ / ٨١.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ١٢٦.
(٥و٦) تفسير الرازي ٢٨ : ١٧٢.
(٧) تفسير الرازي ٢٨ : ١٧٣.
(٨) في النسخة : طالبا. (٩) في النسخة : في.