في تفسير سورة الفجر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ * هَلْ فِي ذلِكَ
قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (١) و (٥)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الغاشية المتضمّنة لبيان عظمة يوم القيامة وشدّة عذاب الكفّار فيه ، وأمر النبي صلىاللهعليهوآله بتذكير الناس وعدم تذكّر المصرّين على الكفر ، ووعيدهم بالعذاب الأكبر ، وإيابهم في القيامة إليه نظمت سورة الفجر المتضمّنة لوعيد الكفّار بما نزل على الامم السابقة من العذاب الدنيوي ، وتذكّرهم في يوم لا ينفعهم التذكّر فيه ، وإرعاب قلوبهم ببيان بعض أهوال القيامة ، وبيان إياب النفوس المطمئنّة إليه ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بالقسم بما فيه كمال الشرف لدلالته على كمال قدرته جريا على عادة العرب على ما قيل من إكثار القسم على مقاصدهم (١) بقوله : ﴿وَالْفَجْرِ﴾ وطلوع نور الشمس من افق المشرق المسمّى بالصبح الصادق ، كما عن ابن عباس (٢) ، قبالا للكاذب ، وهو ظهور بياض مستطيل بالافق كذنب السّرحان ، فانّ بطلوع الصبح الصادق انقضاء الليل ، وظهور الضوء ، وانتشار الناس والحيوانات في طلب الرزق ، كنشور الموتى في القيامة للحساب وجزاء الأعمال.
وقيل : إن المراد جميع النهار (٣) . وقيل : إنّ المراد صلاة الفجر ؛ لأنّها في أوّل النهار ، وفي مشهد ملائكة الليل والنهار (٤) . وقيل : فجر يوم النّحر (٥) الذي هو يوم عظيم عند الله وعند العرب. وقيل : إنّ المراد به فجر أول المحرّم الذي قيل إنّه أعظم الشهور عند الله ، وعن ابن عباس ، قال : فجر السّنة هو محرّم (٦) .
وقيل : عنى به العيون التي ينفجر منها المياه ، وفيها حياة الخلق (٧) . وقيل : إنّه فجر ذي الحجّة لقوله تعالى بعده : ﴿وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾(٨) من ذي الحجّة ، فإنّها ليال مخصوصة بفضائل لا تكون في غيرها ، كما دلّ
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٢٠.
(٢- ٥) تفسير الرازي ٣١ : ١٦١.
(٦- ٨) تفسير الرازي ٣١ : ١٦٢.