الفجر ، قرب الجنّ أن يكونوا عليه مزدحمين تعجّبا ممّا شاهدوا من كيفية عبادته وحسن قراءته واقتداء أصحابه به قائما وراكعا وساجدا ، لرؤيتهم ما لم يروا مثله ، وسماعهم ما لم يسمعوا شبيهه (١) .
﴿قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً
* قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلاَّ بَلاغاً مِنَ
اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها
أَبَداً (٢٠) و (٢٣)﴾
ثمّ أمر سبحانه النبيّ بالإعلان بتوحيده ومخالفته لقريش بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد للمشركين بغاية التجلّد ﴿إِنَّما أَدْعُوا﴾ وأعبد ﴿رَبِّي﴾ المستحقّ للعبادة فقط ﴿وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً﴾ من الملائكة والإنس ، فيكف بالأصنام التي هي جمادات ؟ فلا موقع لتعجّبكم ، أو إطباقكم على عداوتي.
روي أنّ كفّار قريش قالوا للنبي صلىاللهعليهوآله : إنّك جئت بأمر عظيم ، وقد عاديت الناس كلّهم ، فارجع عن هذا ، فنزلت الآية (٢) .
ثمّ أمر سبحانه النبي صلىاللهعليهوآله بإعلانه للمشركين بأنّ الضرر والنفع والضلال والهداية كلّها بقدرة الله دون غيره بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد للمشركين ﴿إِنِّي لا أَمْلِكُ﴾ ولا استطيع ﴿لَكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿ضَرًّا﴾ ولا نفعا ولا غيّا ﴿وَلا رَشَداً﴾ بل كلّها بيد الله وحده ، فانّه المتصرّف في عالم الوجود دون غيره من الموجودات.
ثمّ قيل : إنّ المشركين قالوا له اترك ما تدعوا إليه ونحن نجيرك (٣) ونحفظك من أعدائك ، فأمره الله تعالى أن يجيبهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي﴾ ولن يحفظني ﴿مِنَ﴾ قهر ﴿اللهِ﴾ وسخطه وعذابه ، أو ممّا أراد بي ﴿أَحَدٌ﴾ من خلقه إن أشركت به أو خالفت أمره بتبليغ الرسالة ﴿وَلَنْ أَجِدَ﴾ في الدنيا والآخرة ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ وممّا سواه ﴿مُلْتَحَداً﴾ وملجاء ومفرّا ، وحاصل المفاد أنّي لا أملك لنفسي شيئا ، فكيف أملك لكم ولغيركم أمرا ؟ ﴿إِلَّا بَلاغاً﴾ وتبليغا كائنا ﴿مِنَ﴾ جانب ﴿اللهِ﴾ الذي أمرني به بأن أقول : قال الله كذا ﴿وَ﴾ تبليغ ﴿رِسالاتِهِ﴾ التي أرسلني بها بلا زيادة ونقصان.
وقيل : إنّ المراد من البلاغ تلقّي الوحي من الله تعالى ، ومن الرسالات تبليغه إلى الخلق (٤) .
ثمّ هدّد الناس على عصيانه بقوله : ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ ولم يمتثل أمرهما بالتوحيد وغيره
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ١٦٣.
(٢و٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٦٤.
(٤) تفسير الطبري ٢٩ : ٧٦ ، مجمع البيان ١٠ : ٥٦٢