هنا لأهميته وشدّة الاعتناء به ، فما قال الفخر - من أنّ صاحب الانفاق أبو بكر ، وصاحب القتال عليّ عليهالسلام ، وفي تقديم صاحب الإنفاق إيماء إلى تقديم أبي بكر - من ترّهات الكلام.
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ * يَوْمَ تَرَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (١١) و (١٢)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في الحثّ على الانفاق في نصرة المسلمين ومواساة فقرائهم بقوله : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي﴾ ينفق ماله في سبيل الله رجاء أن يأخذ عوضه ، فإنّه كمن ﴿يُقْرِضُ اللهَ﴾ ماله ﴿قَرْضاً حَسَناً﴾ وخالصا لوجه الله ، أو يقرض الله مالا حسنا ، وهو المال الحلال الطيب ﴿فَيُضاعِفَهُ﴾ الله ، ويزيد ذلك المال أمثاله ﴿لَهُ﴾ من فضله ﴿وَلَهُ﴾ مضافا إلى ذلك ﴿أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ وثواب مرضيّ لا يوصف بالبيان.
في فضيلة الانفاق في سبيل الله
روي أنه لمّا نزلت الآية جعل أبو الدّحداح يتصدّق بنصف كلّ شيء يملكه في سبيل الله ، حتى إنّه خلع إحدى نعليه ، ثمّ جاء إلى امّ الدّحداح فقال : إنّي بايعت ربّي فقالت : ربح بيعك. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « كم من نخلة مدلّاة عذوقها في الجنّة لأبي الدّحداح » (١) .
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ الله تعالى لم يسأل خلقه من حاجة به إلى ذلك ، وما كان لله من حقّ فإنّما هو لوليّه » (٢) .
وعن الكاظم عليهالسلام : « نزلت في صلة الإمام » (٣) .
ثمّ عيّن سبحانه يوم تأدية ذلك القرض بقوله : ﴿يَوْمَ تَرَى﴾ يا محمد ، أو يا من له شأنية الرؤية ﴿الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ﴾ في ذلك اليوم إذا خرجوا من قبورهم ، يسعون إلى المحشر و﴿يَسْعى﴾ ويسير سريعا ﴿نُورُهُمْ﴾ الحاصل لهم بإيمانهم ، ومعرفتهم بالله ، وأعمالهم الصالحة ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ وفي قدّامهم ﴿وَبِأَيْمانِهِمْ﴾ لأنّهم أصحاب اليمين ، ويكون مسيرهم إلى الجنّة من جانب اليمين ، كما عن النبي صلىاللهعليهوآله « أنّ كلّ مثاب يحصل له النور على قدر عمله » (٤) . وقيل : إنّ المراد بالنور ما يهتدى به إلى الجنّة (٥) .
ويقول لهم الملائكة : أيّها المؤمنون ﴿بُشْراكُمُ﴾ والخبر الذي يسرّ قلوبكم ، هو أنّ لكم ﴿الْيَوْمَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٥٩.
(٢) الكافي ١ : ٤٥١ / ٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٤.
(٣) الكافي ١ : ٤٥١ / ٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٤.
(٤و٥) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٢٢.