قيل : إطلاق الغبن على نزول الأشقياء في منازل السّعداء من باب التهكّم (١) .
﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * ما أَصابَ مِنْ
مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا
اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٠) و (١٢)﴾
ثمّ بين سبحانه ربح المؤمنين في تجارتهم بقوله ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ﴾ صادقا مخلصا ﴿وَيَعْمَلْ﴾ عملا ﴿صالِحاً﴾ مرضيا لله ﴿يُكَفِّرْ﴾ الله ﴿عَنْهُ﴾ ويغفر له ﴿سَيِّئاتِهِ﴾ يوم القيامة ، فلا يفضحه بها بين الناس ﴿وَيُدْخِلْهُ﴾ بفضله ﴿جَنَّاتٍ﴾ ذات قصور وأشجار ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة ، حال كونهم ﴿خالِدِينَ﴾ ومقيمين ﴿فِيها أَبَداً﴾ دائما ﴿ذلِكَ﴾ الأجر المذكور على إيمانهم وعملهم هو ﴿الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ والنّيل بأعلى المقاصد من النجاة من العذاب والظّفر بأجلّ الطيبات.
ثمّ بيّن سبحانه غبن الكفّار بقوله : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ القرآنية ومعجزات نبيّنا صلىاللهعليهوآله ﴿أُولئِكَ﴾ المغبونون ﴿أَصْحابُ النَّارِ﴾ وملازموها حال كونهم ﴿خالِدِينَ فِيها وَ﴾ هي ﴿بِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ والمرجع للكفّار.
ثمّ لمّا بيّن سبحانه حسن حال المؤمنين في الآخرة ، كان مجال أن يقال : فلم يبتلى المؤمن في الدنيا بالفقر والمرض والشدائد ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿ما أَصابَ﴾ أحدا ﴿مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ وبلية من فقر أو مرض أو غيرهما من الشدائد ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ وتقديره وإرادته المنبعثة عن الحكمة البالغة ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ﴾ اللطيف الحكيم ﴿يَهْدِ﴾ الله ﴿قَلْبَهُ﴾ عند المصيبة للصبر والثّبات والشّكر والرضا والتسليم لحكمه. عن ابن عباس : يهدي قلبه لما يحبّ ويرضى (٢) .
﴿وَاللهُ﴾ المحيط بخلقه ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء التي من جملتها القلوب وأحوالها من الرضا والتسليم ﴿عَلِيمٌ﴾ ومطّلع كمال الاطلاع ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ﴾ فيما أمركم به ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ فيما يؤدّي إليكم عنه ، ولا تشغلكم المصائب عن العمل بوظائف الايمان ، قيل : تكرار الأمر بالطاعة للتأكيد وبيان الفرق بين الطاعتين (٣)﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ وأعرضتم أيّها الناس عن طاعة الرسول وإجابته فيما
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ١٠.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٦.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ١٤.