ثمّ بيّن سبحانه نتيجة أعمالهم بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ المتّصفون بتلك الصفات الكريمة مستقرون يوم القيامة ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ لا توصف بالبيان ، ولا يدرك كنهها الانسان ، وهم مع ذلك ﴿مُكْرَمُونَ﴾ بغاية الاكرام ، ومعظّمون بنهاية التعظيم.
ثمّ روي أنّ الكفّار والمشركين كانوا محلّقين حول رسول الله حلقا حلقا وفرقا فرقا ، يستمعون القرآن ويستهزؤون به ، ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمّد فلندخلها قبلهم ، فنزل قوله : ﴿فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾(١) وأي حال عرضهم أنّهم ﴿قِبَلَكَ﴾ يا محمد وحولك حال كونهم ﴿مُهْطِعِينَ﴾ ومسرعين نحوك ، أو مادّين أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ﴾ منك ﴿عِزِينَ﴾ ومجتمعين فرقا فرقا ، ومحلّقين عليك حلقا حلقا. وقيل : إنّ المراد منهم المنافقون (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام - وقد ذكر المنافقين - قال : « وما زال رسول الله صلىاللهعليهوآله يتألّفهم ويقرّبهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتى أذن الله عزوجل له في إبعادهم بقوله : ﴿اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾(٣) وبقوله : ﴿فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ...﴾ الآيات » (٤) .
أقول : ويمكن أن يكون المراد المعنى العام.
﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ *
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ * عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ
وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي
يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ *
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٣٨) و (٤٤)﴾
ثمّ أنكر سبحانه عليهم الطمع في دخولهم الجنة بقوله : ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ﴾ ونفس ﴿مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ﴾ في القيامة ﴿جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ كالمسلمين بغير إيمان ﴿كَلَّا﴾ وحاشا أن يدخلوها ﴿إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾ من نطفة قذرة ، فكيف يتأهّلون لدخول الجنة التي هي منزل المطهّرين حتّى يتطهّروا بالايمان والمعرفة ؟ وقيل في ارتباط الآية وجوه اخر (٥) .
ثمّ بيّن سبحانه قدرته على إهلاك جميعهم بقوله : ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ﴾ التي تكون للشمس
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ١٣١ ، تفسير روح البيان ١٠ : ١٦٩.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٣١.
(٣) المزمل : ٧٣ / ١٠.
(٤) الاحتجاج : ٢٣٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٢٨.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ١٣٢.