الْجَحِيمِ (١٨)﴾
ثمّ يقول لهم خازن النار تقريعا وتوبيخا : ﴿هذِهِ النَّارُ﴾ التي تصلونها هي النار ﴿الَّتِي كُنْتُمْ﴾ في الدنيا بالنبي الذي كان يهدّدكم ﴿بِها تُكَذِّبُونَ﴾ وتستهزؤن ، وكنتم تنسبون القرآن الناطق به إلى السّحر ﴿أَفَسِحْرٌ هذا﴾ الذي ترون ﴿أَمْ أَنْتُمْ﴾ عمي ﴿لا تُبْصِرُونَ﴾ النار التي وعدتم بها ، كما كنتم في الدنيا عميا عن معجزات الرسول وآيات التوحيد والمعاد. فلمّا ثبت أنها نار في الواقع ولا خلل في أبصاركم ، ذوقوا حرّها وألمها ﴿اصْلَوْها فَاصْبِرُوا﴾ أيّها المكذّبون على النار وشدائدها ﴿أَوْ لا تَصْبِرُوا﴾ لا خلاص لكم منها أبدا ﴿سَواءٌ عَلَيْكُمْ﴾ الأمران الصبر والجزع ، لا الصبر ينجيكم منها ، ولا الجزع يدفعها عنكم.
واعلموا أنّ تعذيبكم بها ليس ظلما عليكم ، بل هو ما اخترتم لأنفسكم بأعمالكم ﴿إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ وترتكبون من الكفر والعصيان ، بلا زيادة ولا نقصان.
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان سوء حال الكفار المكذّبين للآيات في الآخرة ، بيّن حسن حال [ المتقين بقوله : ﴿إِنَ ] الْمُتَّقِينَ﴾ من الكفر والعصيان ، والمصدّقين بالرسول والمعاد ، يومئذ طوبى لهم ، فانّهم حين ابتلاء الكفّار بعذاب النار في جهنّم ، متمكّنون ﴿فِي جَنَّاتٍ وَ﴾ بساتين عديدة ، ومستغرقون في ﴿نَعِيمٍ﴾ دائم لا نهاية له حال كونهم ﴿فاكِهِينَ﴾ ومتلذّذين ﴿بِما آتاهُمْ﴾ وأعطاهم ﴿رَبُّهُمْ﴾ اللطيف بهم من خزائن رحمته ، ومسرورين به ، ﴿وَ﴾ بأنّه ﴿وَقاهُمْ﴾ وحفظهم ﴿رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ﴾ والاحتراق بالنار الجاحمة (١).
﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ
وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (١٩) و (٢٠)﴾
ثمّ يقول له خازن الجنة أو خالقها إذنا واباحة وإكراما لهم : ﴿كُلُوا﴾ أيّها المؤمنون المتّقون من أيّ مأكول اشتهيتم ﴿وَاشْرَبُوا﴾ من أيّ مشروب أحببتم ، أكلا وشربا ﴿هَنِيئاً﴾ سائغا لا تكدير فيه من التّخم والسّقم والمرض والنّكب وخوف الانقطاع ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ من الايمان والأعمال الصالحة وترك المشتهيات المحرّمة ، فان الله لا يضيع أجر المحسنين ، ويكون أكلهم وشربهم حال كونهم ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ ومستندين كالسلاطين على نمارق ووسائد موضوعة ﴿عَلى سُرُرٍ﴾ وعروش متعدّدة ﴿مَصْفُوفَةٍ﴾ ومصطفّة متصلة بعضها ببعض. قيل : طول كلّ سرير في السماء
__________________
(١) النار الجاحمة : الشديدة الحرّ ، وفي النسخة : الماحجة.