بذكر الفتح قوله : ﴿وَرَأَيْتَ﴾ وأبصرت ﴿النَّاسَ﴾ وعامّة العرب ﴿يَدْخُلُونَ﴾ بالطوع والرغبة ﴿فِي دِينِ اللهِ﴾ وملّة الإسلام حال كونهم ﴿أَفْواجاً﴾ وجماعات كثيرة كأهل مكّة والطائف واليمن وهوازن وسائر قبائل العرب.
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا فتح مكة أقبلت العرب بعضها على بعض ، فقالوا : إذا ظفر بأهل مكّة وأهل الحرم ، فلن يقاومه أحد ، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ومن كلّ من أرادهم من الجبابرة ، فكانوا يدخلون في دين الاسلام أفواجا من غير قتال (١) .
وقيل : لم يمت رسول الله صلىاللهعليهوآله وفي العرب رجل كافر ، بل دخل الكلّ في الاسلام بعد حنين ، منهم من قدم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ومنهم من قدم وافده (٢) .
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه بكى ذات يوم فقيل له في ذلك ، فقال : سنعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « دخل الناس في دين الله أفواجا ، وسيخرجون منه أفواجا » (٣) .
﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)﴾
ثمّ لمّا بشّر سبحانه حبيبه بالنصر على الأعداء الدالّ على كمال قدرته ، أمره بتسبيحه وتنزيهه عن الشرك والعجز بقوله : ﴿فَسَبِّحْ﴾ ونزّه إليك - يا محمد - عن العجز والنقائص الامكانية ، ولمّا بشّره بنعمة الفتح أمره أن يقرن تسبيحه (٤) بحمده على نعمة التي منها الفتح ، وكأنّه تعالى قال : فسبّح حال كونك متلبسا ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ المنعم عليك.
ثمّ أومأ إلى كمال دينه وتمام أمر دعوته وقرب أجله بقوله : ﴿وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ لما فرط منك من ترك الأولى والأفضل ، ولذنوب الداخلين في دينك ، أو هضما لنفسك ، واستصغارا لعملك ، واستعظاما لحقوقه ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿كانَ﴾ بذاته وبلطفه ﴿تَوَّاباً﴾ ومبالغا في قبول التوبة بحيث يعامل مع التائب معاملة من لم يذنب.
قيل : إنّ علّة الأمر بالاستغفار كونه تعالى غفّارا ، وأمّا التعليل بكونه توابا للدلالة على أنّ المقدّر ، وتب إنّه كان توابا ، والامر بالتوبة بعد الاستغفار للدلالة على أنّ طلب المغفرة لا ينفع إلّا إذا قرن بالندم على المعاصي ، والعزم على عدم العود (٥) .
روت عائشة أنّه كان رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد نزول هذه السورة يكثر أن يقول : « سبحانك اللهمّ
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٥٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٩.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٩.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ١٥٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٣٠.
(٤) في النسخة : بتسبيحه.
(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٣٢.