وعن الصادقين عليهماالسلام : « هذه في الذين يخرجون من النار » (١) .
وقيل : إنّه كناية عن الدوام والخلود (٢) ، وعلى أيّ تقدير أهل النار ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها﴾ ولا يحسّون ﴿بَرْداً﴾ ينتفعون ويستريحون به ، وعن بعض مفسري العامة والقمّي : يعني نوما (٣)﴿وَلا شَراباً﴾ رافعا لعطشهم ﴿إِلَّا حَمِيماً﴾ وماء متناهيا في الحرارة ﴿وَغَسَّاقاً﴾ وقيحا سائلا من جلود أهل النار ، إنّا نجازيهم ﴿جَزاءً﴾ يكون ﴿وِفاقاً﴾ لعقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم ، بلا زيادة عليها ولا نقصان ، ومطابقا لها في العظم والصّغر.
﴿إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ
كِتاباً (٢٧) و (٢٩)﴾
ثمّ حكى سبحانه اعتقادهم الموجب لذلك العذاب بقوله : ﴿إِنَّهُمْ كانُوا﴾ في الدنيا ﴿لا يَرْجُونَ﴾ ولا يحتملون ﴿حِساباً﴾ لأعمالهم في الآخرة ، وجزاء على سيئاتهم ، ولذا كانوا لا يبالون منكرا ، ولا يرغبون في معروف.
ثمّ حكى سبحانه أسوأ أعمالهم بقوله : ﴿وَكَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ الدالة على التوحيد والبعث والحساب ﴿كِذَّاباً﴾ وتكذيبا مفرطا إسرارا على الكفر وفنون القبائح والمعاصي ، فلمّا كانت سيئاتهم بهذه الدرجة من العظمة استحقّوا هذه الدرجة الشديدة من العذاب ، للزوم موافقة عذابهم وأعمالهم ومعاصيهم.
ثمّ بيّن سبحانه علمه بميزان الأعمال ومقدار الجزاء بقوله : ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء منها الأعمال وجزاؤها ﴿أَحْصَيْناهُ﴾ وعلمناه حال كونه ﴿كِتاباً﴾ ومثبوتا في اللوح المحفوظ ، أو المراد علمناه علما يكون في القوة والثّبات كأنّه مكتوب ، أو المراد أحصيناه إحصاء ، وكتبناه كتابا في اللّوح المحفوظ ، أو في صحف الحفظة.
﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً * إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً * حَدائِقَ وَأَعْناباً *
وَكَواعِبَ أَتْراباً * وَكَأْساً دِهاقاً * لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً * جَزاءً مِنْ
رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٠) و (٣٦)﴾
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٦٤٣ ، وتفسير الصافي ٥ : ٢٧٦ ، عن الباقر عليهالسلام.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٠٢.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ١٤ ، تفسير القمي ٢ : ٤٠٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٧٦.