والعوارض الجسمانية والروحانية ، المتّصف بصفة الربوبية التي من شؤونها الإنعام على خلقه ، والاحسان على عباده ، فذلك الباقي بعد فناء كلّ شيء ، والمنعم على ما سواه ، وهو ﴿ذُو الْجَلالِ﴾ والعظمة التي لا نهاية لها ﴿وَ﴾ ذو ﴿الْإِكْرامِ﴾ والفضل الذي لا حدّ له ولا إحصاء ، فعلى الخلق أن يخضغوا له ويتضرّعوا إليه.
عن الجواد عليهالسلام في حديث : « وإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصّور والهجاء والتقطيع (١) ، ولا يزال من لم يزل عالما » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « ﴿ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ نحن وجه الله » (٣) .
وعن السجاد عليهالسلام : « نحن وجه الله الذي يؤتى منه » (٤) .
قيل : إنّ وصفه بالوصفين مرتب على الأمرين السابقين ، فذو الجلال مرتّب على فناء ما في الأرض ، وذو الإكرام مرتّب على بقائه بعد فناء كلّ شيء ، فيوجد من يريد ويفيض عليه بعد إعادته أنواع رحمته ونعمه (٥) .
ثمّ لمّا كان الموت والخروج من الدنيا الدنية ، والتنبيه على ذلك ، والإعلام ببقاء ذاته المقدّسة وغاية عظمته وإفضاله من النّعم العظام ، حثّ سبحانه على الإقرار بنعمه وشكرها بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .
﴿يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ (٢٩) و (٣٠)﴾
ثمّ بيّن سبحانه سعة كرمه وإنعامه وكمال قدرته وجوده وغناه بقوله : ﴿يَسْئَلُهُ﴾ ويطلب منه ﴿مَنْ فِي السَّماواتِ﴾ السبع من الملائكة وسائر الموجودات التي فيها ﴿وَ﴾ من في ﴿الْأَرْضِ﴾ من الانس والجنّ وسائر الحيوانات والموجودات بلسان الحال والمقال جميع ما يحتاجون إليه في بقائهم وكمالهم فيعطيهم ما يسألونه من خزائن كرمه.
عن ابن عباس : فأهل السماوات يسألونه المغفرة ، وأهل الارض يسألونه الرزق والمغفرة (٦) ، فهو ﴿كُلَ
__________________
(١) في النسخة : وينقطع ، وفي التوحيد : ولا ينقطع ، وما أثبتناه من الكافي ، والمراد صور الحروف وهجاؤها وتقطيعها ، كما في صدر الرواية.
(٢) الكافي ١ : ٩١ / ٧ ، التوحيد : ١٩٣ / ٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠.
(٣) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٢٧٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٤٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠.
(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ١٠٧.
(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٩.