ثمّ شرع سبحانه في وعظ المؤمنين بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ﴾ وخافوا عذابه على عصيانه ، واحترزوا عن مخالفته ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ﴾ أيّ نفس كانت ﴿ما قَدَّمَتْ﴾ وأيّ عمل هيّأت وادّخرت ﴿لِغَدٍ﴾ ويوم عظيم في القرب بمنزلة اليوم البعد ، وهو يوم القيامة.
ثمّ أكّد سبحانه الأمر بالتقوى التي هي (١) أقوى سبب النجاة من العذاب والفوز بالنّعم الأبدية بقوله : ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ أيّها المؤمنون فيما تأتون وما تذرون.
ثمّ هدّد العصاة بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ﴾ العالم بكلّ شيء ﴿خَبِيرٌ﴾ وعليم ﴿بِما تَعْمَلُونَ﴾ من المعاصي فيعاقبكم عليه أشدّ العقاب ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ﴾ وذهبوا عن عظمته وحقوقه باشتغالهم بلذّات الدنيا وزخارفها ، ولم يراعوا أوامره ونواهيه حقّ الرّعاية ﴿فَأَنْساهُمْ﴾ الله بسبب ذلك ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ وأذهلهم عن خيرها وما فيه نجاتها من المهالك ، وفوزها بما فيه حياتها الدائمة وتنعّمها وراحتها الأبديه ﴿أُولئِكَ﴾ الناسون ﴿هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ والخارجون عن طاعة العقل والشرع ، وفي تخصيص الفسق بهم إشعار بأنّ فسق غيرهم كالمعدوم لأنّهم كفّار.
﴿لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ *
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ
الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢٠) و (٢١)﴾
ثمّ لمّا نهى سبحانه عن مماثلة الكفّار ، بيّن عدم أهلية الكفّار لأن يماثلهم ويساويهم أحد من المؤمنين بقوله : ﴿لا يَسْتَوِي﴾ ولا يماثل الكفّار الذين هم أهل العذاب و﴿أَصْحابُ النَّارِ﴾ في الآخرة ، والمؤمنون الذين هم أهل الرحمة ﴿وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾ فانّ أصحاب النار هم الخاسرون و﴿أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ﴾ بأعلى المقاصد وأسنى المطالب.
عن الرضا عليهالسلام : « أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله تلا هذه الآية ، فقال : أصحاب الجنة من أطاعني وسلّم لعليّ بن أبي طالب بعدي وأقرّ بولايته ، وأصحاب النار من سخط الولاية ونقض العهد » (٢) .
ثمّ لمّا ذكر سبحانه بعض المواعظ الموجبة لرقّة القلب والخشوع ، مدح القرآن بغاية التأثير ، وذمّ قلوب الكفار بغاية القساوة بقوله : ﴿لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ﴾ العظيم الشأن ، الذي فيه المواعظ الشافية والتهديدات الكثيرة ﴿عَلى جَبَلٍ﴾ وكان المقصود بالمواعظ والانذارات التي فيه وعظه وإنذاره ، والله
__________________
(١) في النسخة : الذي هو.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٨٠ / ٢٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٥٩.