ثمّ بيّن سبحانه حكم ما بقي منهم من أموالهم بقوله : ﴿وَما أَفاءَ اللهُ﴾ وردّه ﴿عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ﴾ من الأملاك والأموال ﴿فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ﴾ أيّها المسلمون ، ولا أسرعتم السير في تحصيله ﴿مِنْ خَيْلٍ﴾ وجماعة أفراس ﴿وَلا رِكابٍ﴾ وجماعة الإبل ، ولا تحمّلتم مشقة عظيمة ، ولا قتالا شديدا ، وما قطعتم مسافة بعيدة.
قيل : إنّ قرى بني النّضير كانت على ميلين من المدينة ، لم يركب أحد في مسيرهم إليهم إلّا النبي صلىاللهعليهوآله ، فانّه ركب حمارا مخطوما باللّيف ، أو جملا على ما قاله بعض (١) .
والحاصل أنّه لم تحصل هذه الغنيمة بقتالكم ﴿وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ﴾ على حسب سنّته الجارية ﴿عَلى مَنْ يَشاءُ﴾ تسليطه عليه من أعدائه بغير الأسباب الظاهرية ، فلا حقّ لكم في أموالهم ، بل هي مختصّة به ، مفوّض أمرها إليه ، يضعها حيث يشاء ﴿وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
قيل : نزلت حين طلب الصحابة من الرسول صلىاللهعليهوآله قسمة أموالهم عليهم ، كما قسّم الغنيمة بينهم ، فبيّن الله الفرق بين الغنيمه والفيء ، فانّ الغنيمة فيما أتعب المسلمون أنفسهم في تحصيله ، وأوجفوا عليه بخيل وركاب ، بخلاف الفيء فانّه ما لم يتحمّل [ المسلمون ] في تحصيله تعبا شديدا (٢) .
وقيل : إنّ أموال بني النّضير اخذت بالقتال والمحاصرة أياما ، فلم تكن فيئا ، وإنما نزلت الآية في فدك ، لأنّ أهل فدك جلوا عنه ، فصارت تلك القرى والأموال في يد الرسول صلىاللهعليهوآله من غير حرب (٣) .
﴿ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى
وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧)﴾
ثمّ أكّد سبحانه حكم الفيء في أموال بني النّضير ببيان حكم كلّي الفيء بقوله تعالى : ﴿ما أَفاءَ اللهُ﴾ وردّه ﴿عَلى رَسُولِهِ مِنْ﴾ أموال ﴿أَهْلِ الْقُرى﴾ والبلدان بغير حرب وقتال ﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ أشرك ذاته المقدّسة مع رسوله تشريفا له ﴿وَلِذِي الْقُرْبى﴾ وأرحام الرسول صلىاللهعليهوآله من بني هاشم وبني عبد المطّلب ﴿وَالْيَتامى﴾ منهم ﴿وَالْمَساكِينِ﴾ والفقراء منهم ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ والمسافرين المنقطعين عن أموالهم منهم.
روى بعض العامة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يقسّم الفيء خمسة أسهم ، ويتصرّف في أربعة أخماس كيف يشاء ، ويقسّم الخمس الباقي خمسة أسهم ، ويأخذ لنفسه خمس الخمس ، ويقسّم أربعة أخماس
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٤٢٦.
(٢و٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٨٤.