ثمّ لمّا أمر سبحانه النبي صلىاللهعليهوآله بالصبر أمره بالعبادة الموجبة لراحة قلبه الشريف بقوله : ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ واشغل قلبك بالتوجّه إليه ﴿بُكْرَةً﴾ وأول النهار ﴿وَأَصِيلاً﴾ وآخره. قيل : إنّ المراد المداومة على الذّكر في جميع الأوقات (١) . وقيل : إنّ المراد المداومة على صلاة الفجر والظهر والعصر ، فانّ الأصيل يطلق على ما بعد الزوال إلى المغرب (٢) .
﴿وَ﴾ في بعض ﴿مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ﴾ قيل : إنّ المراد بالسجدة صلاة المغرب والعشاء (٣)﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾ قيل : اريد به التهجّد وصلاة نافلة الليل في ثلثيه ونصفه وثلثه (٤) .
وقيل : إنّ المراد بالذكر والتسبيح نفسهما. قال : ﴿اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾(٥).
ثمّ إنّه تعالى بعد تسلية النبي صلىاللهعليهوآله شرع في بيان سوء حال الكفار والمتمرّدين بقوله : ﴿إِنَّ هؤُلاءِ﴾ الكفّار ﴿يُحِبُّونَ﴾ الدنيا ﴿الْعاجِلَةَ﴾ الفانية ، ويشتاقون إلى لذّاتها ومشتهياتها ﴿وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ﴾ ويدعون خلف ظهورهم ﴿يَوْماً ثَقِيلاً﴾ عليهم شديدا أهواله لهم ، ولذا أعرضوا عن الايمان بك وبكتابك ، ولا يعتنون بمواعظك التي فيها نفع آخرتهم ، وليس عدم إيمانهم لشبهة في نظرهم حتى تزيلها بالدلائل ، وإلّا لو كانوا تابعين (٦) لعقولهم كان عليهم إطاعة أوامرنا والانقياد لأحكامنا ﴿نَحْنُ خَلَقْناهُمْ﴾ وأعطيناهم الأعضاء والقوى التي يكمل بها خلقهم وتهيّأ (٧) لهم حياتهم ﴿وَشَدَدْنا﴾ ما حكمنا ﴿أَسْرَهُمْ﴾ وأعضائهم ، ليتمكّنوا من القيام والقعود والحركات التي ينتفعون بها من اللذائذ الدنيوية ﴿وَإِذا شِئْنا﴾ أهلكناهم و﴿بَدَّلْنا﴾ وعوّضنا عنهم في الأرض خلقا آخر ﴿أَمْثالَهُمْ﴾ في الخلقة والشكل ﴿تَبْدِيلاً﴾ بديعا.
حاصل المراد والله أعلم أنّهم محتاجون في الحياة والبقاء في الدنيا والالتذاذ بشهواتها إلينا ، ونحن مستغنون عنهم لعدم حاجتنا إلى الخلق ، ولو فرض لنا حاجة لنا إليهم ، بل نحن بقدرتنا الكاملة الذاتية قادرون على خلق أمثالهم.
﴿إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٩ : ٧٥ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٧٨.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٧٨.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٥٩ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٧٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٧٨.
(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٧٨.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٥٩ ، والآيتان من سورة الاحزاب : ٣٣ / ٤١ و٤٢.
(٦) في النسخة : تابعا.
(٧) كذا الظاهر ، والكلمة غير منقطة في النسخة.