خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً
لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٣) و (٥)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في ذكر آثار قدرته بقوله : ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ وأبدع ﴿سَبْعَ سَماواتٍ﴾ حال كونهنّ ﴿طِباقاً﴾ بعضها فوق بعض لكلّ حدّ معين وحركة خاصة مقدّرة بقدر مخصوص من السرعة والبطئ ، متناسبات في الخلق بحيث ﴿ما تَرى﴾ أيّها الرسول ، أو الرائي ﴿فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ﴾ وإبداع الإله الفيّاض المنّان يسيرا ﴿مِنْ تَفاوُتٍ﴾ واختلاف وعيب. يقول الرائي : لو كان كذا كان أحسن ، أو من فروج وشقوق ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ وردّه إلى رؤيتها ، وأعد النظر إليها لطلب الخروق والصّدوع فيها (١)﴿يَنْقَلِبْ﴾ ويرجع ﴿إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً﴾ محروما من إصابة ما طلبه من العيب والخلل ﴿وَهُوَ﴾ لطول المعاودة وكثرة المراجعة ﴿حَسِيرٌ﴾ وكليل ، وبالغ غاية الإعياء والعجز عن الظّفر بالمطلوب من وجدان العيب.
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان كمال خلقه السماوات بيّن كمال قدرته وحكمته بتحسينها وتزيينها منّة على العباد بقوله : ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا﴾ وحسنّا بقدرتنا ﴿السَّماءَ الدُّنْيا﴾ وأقربها إلى الأرض ﴿بِمَصابِيحَ﴾ وسرج مضيئة من النجوم والكواكب الثوابت والسيارة.
أقول : لا ينافي ذلك كون جميعها أو بعضها في السماوات الاخر ، فانّها ترى في السماء الدنيا وترى زينة لها.
وصيّرنا الكواكب ﴿وَجَعَلْناها﴾ مع ذلك ﴿رُجُوماً﴾ ومطردات ﴿لِلشَّياطِينِ﴾ وكفرة الجنّ بالشّهب المنفصلة منها ، إذا أرادوا استراق السمع وقيل : يعني جعلناها ظنونا ورجوما بالغيب لشياطين الإنس ، وهم الأحكاميّون من المنجّمين (٢)﴿وَأَعْتَدْنا﴾ لاولئك الشياطين وهيّأنا ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذابَ السَّعِيرِ﴾ والنار الموقدة التي أوقدها الجبّار بغضبه.
﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها
شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ
إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ
السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) و (١١)﴾
__________________
(١) يوجد في النسخة بياض بمقدار سطر وأربع كلمات.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٦٠.