ولاية عليّ يستغفر لكم النبي من ذنوبكم ﴿لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ﴾ قال الله : ﴿وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ﴾ عن ولاية علي ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ عليه ثمّ عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال : ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾ يقول : الظالمين لوصيّك (١) .
أقول : لا شكّ في أنّ الرواية في بيان تأويل الآية لا تفسيرها.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ
الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٩) و (١١)﴾
ثمّ لمّا كان الكفر والنفاق مع وضوح الحقّ لا يكون إلّا لجمع الأموال وراحة الأولاد ، وعظ الله سبحانه المنافقين والمؤمنين بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ﴾ ولا تغفلكم ﴿أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ﴾ ولا يشغلكم الاهتمام بتدبير امورهما وتنظيم مصالحهما ﴿عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾ والتوجّه إليه والقيام بعبادته ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ﴾ التلهّي بالمال والولد والاشتغال بالامور الدنيوية ﴿فَأُولئِكَ﴾ الغافلون والملهون عن ذكر الله ﴿هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ في تجارتهم في سوق الدنيا ، حيث إنّهم باعوا الجنة والنّعم الدائمة والراحة الأبدية باللّذّة الدنيوية القليلة الفانية المشوبة مع التعب الكثير.
وفي الحديث : « ما طلعت الشمس إلّا بجنبيها ملكان يناديان ويسمعان الخلائق غير الثقلين : يا أيها الناس : هلمّوا إلى ربّكم ، ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى » (٢) .
﴿وَأَنْفِقُوا﴾ شيئا ﴿مِنْ ما رَزَقْناكُمْ﴾ وأعطيناكم بفضلنا في سبيل الله ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ وعاين مخائله وأماراته ﴿فَيَقُولَ﴾ عند حلوله تمنيا وتحسّرا : يا ﴿رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي﴾ وهلّا أمهلتني ﴿إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ وأمد قصير وزمان قليل في الدنيا ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ مالي للفقراء ، وأنفق عليهم تقرّبا إليك ، أو أؤدّي زكاتي ﴿وَأَكُنْ﴾ في آخر عمري ﴿مِنْ﴾ عبادك ﴿الصَّالِحِينَ﴾ والمتعبّدين المخلصين.
عن ابن عباس : من كان له مال يجب فيه الزكاة فلم يزكّه ، أو مال يبلغه إلى بيت الله فلم يحجّ ، يسأل عند الموت الرجعة فقال رجل : اتق الله يابن عباس ، إنّما سألت الكفّار الرجعة. فقال ابن عباس : إنّي اقرأ عليك هذا القرآن. فقال : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلى قوله ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ فقال
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٥٨ / ٩١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٨٠.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٥٤١.