كان في قلب النبي صلىاللهعليهوآله النفرة عن الأعمى لعدم القرابة بينه وبينه وعدم شرفه ففرية (١) عليه صلىاللهعليهوآله ، مع قولهم في توجيه التعبير بالأعمى بأنّه لزيادة الإنكار على النبي صلىاللهعليهوآله فكأنّه تعالى قال : تولّى لكونه أعمى ، فرية (٢) على الله ، لأنّه علم أنّه ما تولّى لكونه أعمى ، بل تولّى عنه للاشتغال بدعوة الأعاظم الذين إسلامهم في نهاية الأهمية.
ثمّ شدّد سبحانه العتاب على العابس المتولّي بتوجيه الخطاب إليه بقوله : ﴿وَما يُدْرِيكَ﴾ وأي شيء أعلمك بحال الأعمى ؟ ﴿لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ ويتطهّر بما يتعلّم ويتلقّن من الشكّ والأخلاق الرذيلة ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ ويتّعظ ﴿فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى﴾ والموعظة بزيادة رغبته في العبادة والطاعة.
ثمّ بالغ سبحانه في اللّوم بقوله : ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى﴾ وكان ذامال وثروة ﴿فَأَنْتَ﴾ يا عثمان ﴿لَهُ تَصَدَّى﴾ وإليه تعرض ، وعليه تقبل بوجهك ، وتقرّبه إليك ﴿وَما عَلَيْكَ﴾ ولا تبالي ﴿أَلَّا يَزَّكَّى﴾ إذا كان الجائي غنيا ﴿وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ﴾ حال كونه ﴿يَسْعى﴾ إلى الخير وتعلّم أحكام الاسلام ﴿وَهُوَ يَخْشى﴾ الله ويخاف عقابه ﴿فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ وتعرض ، ولا تقبل إليه ، ولا تعتني به ﴿كَلَّا﴾ لا تتعرّض عن المسلم المسترشد.
وأمّا على ما ذكر أهل السنّة من شأن نزولها ، فالمعنى ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى﴾ وأظهر عدم الحاجة إلى الايمان ، أو إلى الله ﴿فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ وعليه تقبل بوجهك ، وتقرّبه إليك ، ﴿وَما عَلَيْكَ﴾ يا محمد وزر ووبال في ﴿أَلَّا يَزَّكَّى﴾ ولا يتطهّر ذلك المستغني بالاسلام حتى تهتمّ بأمره ودعوته ، وتعرض عمّن أسلم فانّه ليس عليك إلّا البلاغ ﴿وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى * وَهُوَ يَخْشى﴾ الله ﴿فَأَنْتَ﴾ يا محمد ﴿عَنْهُ تَلَهَّى﴾ وتعرض ولا تقبل عليه ﴿كَلَّا﴾ لا تتعرّض للمستغني ، ولا تعرض عن المسلم.
قال بعض مفسّري العامة : لمّا تلا جبرئيل هذه الآيات على النبي صلىاللهعليهوآله عاد وجهه كأنّما ذرّ عليه الرماد ، وينتظر ما يحكم الله عليه ، فلمّا قال : ﴿كَلَّا﴾ سرّي عنه (٣) .
أقول : حبّهم لعثمان بعثهم على صرف الآيات عنه وتوجيهها إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، مع أنّ المسلم لا يرضى به ، مع القطع بأنّه حبيب الله ، ولا يرضى الله بإيلام قلب حبيبه وتوهينه في امّته لإعراضه الواجب عليه عن الأعمى.
﴿كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ *
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرامٍ بَرَرَةٍ (١١) و (١٦)﴾
__________________
(١) في النسخة : فرية.
(٢) في النسخة : قريا.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٥٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٣.