دعاكم إليه لا يضرّه بشيء ﴿فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا﴾ أيّ رسول كان ﴿الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ وتأدية الرسالة ببيان واضح ، وقد فعل بما لا مزيد عليه ، وقد بقي ما عليكم.
﴿اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ
أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ
اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٣) و (١٤)﴾
ثمّ لمّا بيّن أنّ جميع المصائب والبلايا بتقدير الله وإرادته ، وصف ذاته المقدّسة بالعظمة والوحدانية ، وأمر المؤمنين بالتوكّل عليه بقوله : ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ ولا معبود مستحقّ للعبادة سواه ﴿وَعَلَى اللهِ﴾ العظيم وحده ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وليفوّضوا إليه الامور ، ومنه يسألوا الحفظ من المصائب والصبر عليها.
ثمّ لمّا صلّى سبحانه في المصائب والبلايا الدنيوية ، تعرّض للبلايا الاخروية وما يمنع عن طاعة الله ويصرف عنها من الأزواج والأولاد بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَ﴾ بعضا ﴿مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ﴾ يكونون ﴿عَدُوًّا لَكُمْ﴾ يمنعونكم من الهجرة والجهاد والعمل بالتكاليف ، كعداوة الشيطان لبني آدم ، إذن ﴿فَاحْذَرُوهُمْ﴾ واحترزوا عن موافقتهم وقبول قولهم. قيل : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي ، كان أهله وولده يثبّطونه عن الهجرة والجهاد (١) .
وعن ابن عباس : أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال : هؤلاء رجال من أهل مكّة أسلموا وأرادوا أن يأتوا المدينة ، فلم يدعهم أزواجهم وأولادهم ، فهو قوله : ﴿عَدُوًّا لَكُمْ﴾ فاحذروا أن تطيعوهم وتدعوا الهجرة. وقوله : ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا﴾ قال : هو أنّ الرجل من هؤلاء إذا هاجر ورأى الناس قد سبقوا إلى الهجرة ، وفقهوا في الدين ، همّ أن يعاقب زوجته وولده الذين منعوه من الهجرة ، وإن لحقوا به في دار الهجرة لم ينفق عليهم ، ولم يصبهم بخير ، فنزل : ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(٢) قيل : يعني فعليكم أن تتخلّقوا بأخلاق الله (٣) .
﴿إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (١٥) و (١٦)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ١٨.