العذاب عليهم ﴿هَلْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ ومفرّ أو ملجأ منه ؟ ولم يجدوه.
وقيل : إنّه من كلام الله تعالى مخاطبا لقوم النبي صلىاللهعليهوآله (١) ، والمعنى : أنّ الامم الماضية اهلكوا مع قوة بطشهم ، فهل لكم يا قوم محمد من محيص ومهرب عن العذاب ؟
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من إهلاك الامم لكفرهم وطغياهم ، والله ﴿لَذِكْرى﴾ وعظة ﴿لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ يفقه به ويتفكّر فيما يرد فيها ، ويدرك سوء عاقبة الكفر والطغيان ، أو لمن كان له عقل ، كما عن الكاظم عليهالسلام. وعن ابن عباس (٢)﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾ ولم يمسكه عن سماع ما يتلى عليه من الوحي الناطق بما جرى عليهم ﴿وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ وحاضر بذهنه ليفهم معانيه ، أو شاهد بصدقه فيتّعظ بظواهره وينزجر بزواجره.
وقيل : يعني والمنذر الذي تعجّبتم منه شهيد ، كما قال : ﴿إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً﴾(٣) .
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ
* فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ
* وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ
قَرِيبٍ (٣٨) و (٤١)﴾
ثمّ عاد سبحانه إلى الاستدلال على إمكان إعادة الخلق للحساب بقوله : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ﴾ السبع ﴿وَالْأَرْضَ﴾ بطبقاتها ﴿وَما بَيْنَهُما﴾ من الموجودات ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ وأوقات بلا استعانة بالغير ﴿وَما مَسَّنا﴾ وما أصابنا بذلك شيء ﴿مِنْ لُغُوبٍ﴾ وتعب ونصب حتى نعجز من إعادة الخلق ثانيا ، فانّ خلق كلّ منها بالارادة المعبّر عنها بأمر ( كن ) بلا حاجة إلى حركة وتحمّل كلفة ومشقّة ، لاستحالة الحاجة في الواجب ، وفيه أيضا ردّ على اليهود حيث زعموا أنّ الله بدأ خلق العالم يوم الأحد ، وفرغ منه يوم الجمعة ، واستلقى يوم السبت على العرش واستراح.
ثمّ لمّا كان شدّة إنكار المشركين رسالة الرسول والبعث والمعاد ثقيلا على قلب النبي صلىاللهعليهوآله ، أمره سبحانه بالصبر وتنزيهه تعالى عن العجز بقوله : ﴿فَاصْبِرْ﴾ يا محمد ﴿عَلى﴾ أذى المشركين و﴿ما يَقُولُونَ﴾ في شأنك وشأن البعث من التعجّب من رسالتك واستبعاد البعث والإعادة بعد الموت ، كما
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ : ١٨٢.
(٢) الكافي ١ : ١٢ / ١٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٦٤ ، تفسير روح البيان ٩ : ١٣٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٨ : ١٨٣ ، والآية من سورة الفتح : ٤٨ / ٨.