والباطل ، أو القضاء بين الناس أجمعين ﴿جَمَعْناكُمْ﴾ يا امّة محمّد في هذا اليوم ﴿وَالْأَوَّلِينَ﴾ والامم السابقين لفصل القضاء والحكم للمحقّ وعلى المبطل ﴿فَإِنْ كانَ لَكُمْ﴾ أيّها الكفّار المبطلون ﴿كَيْدٌ﴾ وحيلة في هذا اليوم لدفع العذاب عنكم ، كما كان لكم في الدنيا مكائد لإبطال دعوة الرسل وصرف الناس عنهم ﴿فَكِيدُونِ﴾ واحتالوا وتخلّصوا من عذابي ، ولكن لا تقدرون اليوم على كيد وحيلة ، فعليكم أن تتحمّلوا ألم العذاب ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ الذين لا حيلة لهم من التخلّص من العذاب.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * كُلُوا
وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤١) و (٤٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حسن حال المتّقين بقوله : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ والمحترزين عن الكفر والتكذيب في ذلك اليوم مستقرون ﴿فِي ظِلالٍ﴾ يظلّمهم من حرّ الشمس وغيره ، وهو ظلّ العرش ، أو أشجار الجنّة ، لا كظلّ المكذّبين الذي ليس بظليل عن القمي في ظلال من نور أنور من نور الشمس (١) . وعن الكاظم : « هم نحن وشيعتنا » (٢) .
﴿وَ﴾ في ﴿عُيُونٍ﴾ عذبة لذيذة يدفعون بمائها عطشهم ﴿وَ﴾ في ﴿فَواكِهَ﴾ كثيرة ﴿مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ ويميلون إليه : والحاصل أنّهم مستغرقون في فنون النّعم وأنواع الترفّه ، ويقال لهم تفريحا لقلوبهم : أيّها المتقون ﴿كُلُوا﴾ من نعم الجنة وفواكهها ﴿وَاشْرَبُوا﴾ من أنواع أشربتها ﴿هَنِيئاً﴾ لكم ، وشربا بلا داء ولا ضرر ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ من الأعمال الصالحة والعبادات المرضية ﴿إِنَّا﴾ بفضلنا ورحمتنا ﴿كَذلِكَ﴾ الجزاء الجزيل والثواب العظيم ﴿نَجْزِي﴾ المؤمنين ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ في عقائدهم وأعمالهم وأخلاقهم ، وبسبب طاعتهم لربّهم.
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ حيث يرون أنفسهم في غاية الذلّ والعذاب ، وأعداءهم المخاصمين لهم في نهاية الكرامة والنّعم والراحة ، وأمّا المجرمون المكذّبون فيقال لهم في الدنيا : ﴿كُلُوا﴾ من نعم الدنيا ﴿وَتَمَتَّعُوا﴾ وانتفعوا بمشتهياتها زمانا ﴿قَلِيلاً﴾ أو انتفاعا يسيرا ينقضي بموتكم ، فانّ تلذّذكم بها كتلذّذ من يأكل لقمة حلواء مسمومة مهلكة ، ثمّ يموتون ويهلكون بها ، وأنتم تبتلون بالعذاب لأجل ﴿إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾ وطاغون على ربّكم ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ حيث عرّضوا أنفسهم للعذاب الدائم بالتمتّع القليل.
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٤٠٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٧١.
(٢) الكافي ١ : ٣٦١ / ٩١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٧١.