لأتباعهم ﴿لا تَذَرُنَ﴾ ولا تتركنّ ﴿آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾ ولا تدعنّ عبادتها.
قيل : إنّ تلك الأصنام دفنت في الطّوفان بساحل جدّه ، فأخرجها الشيطان بعد الطّوفان ، فوقع كلّ منها بيد قبيلة من العرب ، فكان ودّ لكلب بدومة الجندل ، وسواع لقبيلة همدان ، ويغوث لمذحج ، ويعوق لقبيلة مراد ، ونسر لحمير (١) .
وقيل : فنيت هؤلاء الأصنام بالطّوفان ، ثمّ اتّخذت أمثالها وسمّوها بأسمائها وعبدوها (٢) .
وقيل : إنّ هذه الأسماء المذكورة في السورة كانوا أبناء آدم من صلبه ، وكان يغوث أكبرهم ، وهي أسماء سريانية ، ثمّ وقعت تلك الأسماء إلى أهل الهند ، فسمّوا بها أصنامهم التي زعموا أنّها على صور الدراري (٣) السبعة ، وكان الجنّ يكلّمهم من جوفها ، ثمّ أدخلها عمرو بن لحي في أرض العرب (٤) .
قيل : كان ودّ على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر ، وهو طائر عظيم (٥) .
﴿وَقَدْ أَضَلُّوا﴾ اولئك الرؤساء أو الأصنام خلقا ﴿كَثِيراً﴾.
﴿وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً * مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً * وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ
دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً * رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ
إِلاَّ تَباراً (٢٤) و (٢٨)﴾
ثمّ لمّا عدّ نوح قبائح أعمال القوم هاج غضبه ودعا عليهم بقوله : ﴿وَلا تَزِدِ﴾ يا ربّ الكفّار ﴿الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بتعريضها للهلاك باختيارهم الشرك ، وعليك بتضييع حقوقك ﴿إِلَّا ضَلالاً﴾ وضياعا وهلاكا ، أو ضلالا في تمشية مكرهم وترويج مصالح دنياهم ، أو لمّا يئس من إيمانهم دعا عليهم بازدياد شقاوتهم لازدياد استحقاقهم العذاب ، كما قال موسى عليهالسلام ﴿وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ﴾(٦) .
__________________
(١و٢) تفسير روح البيان ١٠ : ١٨١.
(٣) الدراري : الكواكب.
(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ١٨١ و١٨٢.
(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ١٨٢.
(٦) يونس : ١٠ / ٨٨.