﴿لاغِيَةً﴾ لا فائدة فيها ولا اعتداد بها ، إذ هي ما تؤذي السمع ﴿فِيها عَيْنٌ﴾ كثيرة مياهها ﴿جارِيَةٌ﴾ دائما. قيل : هي أشدّ بياضا من الّبن ، وأحلى من العسل ، من شرب منها لا يظما بعدها أبدا (١) ﴿فِيها سُرُرٌ﴾ ألواحها - كما عن ابن عباس - من ذهب مكلّلة بالدرّ والياقوت والزّبرجد (٢)﴿مَرْفُوعَةٌ﴾ السّمك عالية في الهواء ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام (٣) .
قيل : إذا جاء وليّ الله ليجلس عليها تطامنت له ، فاذا استوى عليها ارتفعت (٤) ، فيرى جميع ما أعطاه ربّه في الجنّة من النّعم الكثيرة والملك العظيم.
﴿وَ﴾ فيها ﴿أَكْوابٌ﴾ وأواني لا عرى لها ﴿مَوْضُوعَةٌ﴾ بين أيدي المؤمنين يشربون منها ، لا يحتاجون إلى أن يدعوا بها ، ولا ينافي أن يكون بعض أواني الشّرب بيد الغلمان ﴿وَ﴾ فيها ﴿نَمارِقُ﴾ ووسائد ﴿مَصْفُوفَةٌ﴾ بعضها إلى جنب بعض ، كما تشاهد في بيوت الأكابر ، يستندون إليها للاستراحة ﴿وَ﴾ فيها ﴿زَرابِيُ﴾ وبسط فاخرة ﴿مَبْثُوثَةٌ﴾ ومبسوطة على السّرر زينة وتمتّعا أو مفرّقة في المجالس.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام « [ لو لا ] أنّ الله قدّرها لا لتمعت (٥) أبصارهم بما يرون » (٦) .
﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى
الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (١٧) و (٢٠)﴾
ثمّ لمّا كان حسن حال المؤمنين موقوفا على معرفة الله والايمان بالمعاد ، أمر الناس بالتفكّر في صنائعه العجيبة ، ليستدلّو بها على كمال قدرته وحكمته المستلزمين لتوحيده وإعادة الخلق للجزاء على الأعمال بقوله : ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ﴾ ولا يتفكّرون أنّها ﴿كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ قيل : إنّ التقدير : أينكرون ما ذكر من البعث ويستبعدون وقوعه عن قدرة الله ؟ ! أفلا ينظرون نظر الاعتبار إلى الإبل التي نصب أعينهم ، يستعملونها كلّ حين ، أنّها كيف خلقت خلقا بديعا معدولا به عن سنن خلق سائر الحيوانات في عظم جثّتها ، وشدّة قوّتها ، وعجيب هيئتها اللائقة بتأتّي ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقّة ، كالنهوض من الأرض بالأوقار الثقيلة ، وجرّ الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة ، وفي صبرها على الجوع والعطش ، حتى أن ظمأها يبلغ العشر فصاعدا ، واكتعائها باليسير ، ورعيها لكلّ ما يتيسر من شوك وشجر ، وغير ذلك ممّا لا يكاد يرعاه سائر البهائم ، وفي انقيادها مع ذلك للانسان في الحركة
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٤١٥.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ١٥٥.
(٣و٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٤١٥.
(٥) في النسخة : لتمتعت.
(٦) مجمع البيان ١٠ : ٧٢٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٢٢.