﴿لَمَجْمُوعُونَ﴾ بعد الاحياء في المحشر ، ومبعوثون لا محالة ﴿إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ﴾ ووقت واحد معين ﴿مَعْلُومٍ﴾ عند الله لا يعلمه غيره ، وهو يوم القيامة.
﴿ثُمَ﴾ بعد الإحياء والبعث ﴿إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ﴾ عن طريق الحقّ والمنحرفون عن مسلك الصواب ﴿الْمُكَذِّبُونَ﴾ للرسل إخبارهم بالبعث بعد الموت ، والله ﴿لَآكِلُونَ﴾ بعد البعث والجمع ودخول جهنّم ﴿مِنْ شَجَرٍ﴾ من أشجار جهنّم ، أعني ﴿مِنْ﴾ شجر ﴿زَقُّومٍ﴾ وهو شجر كريه المنظر ، مرّ الطعم ، حار في اللّمس منتن في الرائحة ، ولا يقنع منه بالأكل من تلك الأشجار والثمار ، بل يجبرون على الإكثار من أكلها ﴿فَمالِؤُنَ مِنْهَا﴾ كرها ﴿الْبُطُونَ﴾ أو لشدّة الجوع ، فيعطشون من حرارة الزّقّوم وحرقته ﴿فَشارِبُونَ﴾ أنتم بعد أكله ﴿عَلَيْهِ﴾ شرابا ﴿مِنَ الْحَمِيمِ﴾ والماء الحار البالغ منتهى الحرارة ﴿فَشارِبُونَ﴾ أنتم منه كرها وجبرا ﴿شُرْبَ الْهِيمِ﴾ والجمال التي بها داء الاستسقاء ، لا تروي من الماء حتى تموت ، أو مثل شرب الرمال التي لا تتماسك.
عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن الهيم ، قال : « الابل » (١) وفي رواية : « إنّه الرّمل » (٢) .
وحاصل المعنى على ما قيل : أنّه يسلّط عليكم أيّها الضالّون من الجوع ما يضطرّكم إلى أكل الزقّوم الذي هو كالمهل ، فاذا ملأتم منه بطونكم ، وهو في غاية المرارة والحرارة ، سلّط عليكم من العطش ما يضطرّكم إلى شرب الحميم الذي يقطّع أمعاءكم ثمّ يلزمونكم على أن تشربوا منه ، ولا يكون شربكم شربا معتادا ، بل يكون شربكم مثل شرب الجمل الذي به مرض العطاش ، أو مثل شرب كثيب الرّمل.
﴿هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ * نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ *
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٦) و (٥٩)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أن ما ذكر ليس جميع عذابهم ، بل هو أوّل ما يلقونه يوم القيامة بقوله : ﴿هذا﴾ المذكور ﴿نُزُلُهُمْ﴾ وأوّل ما يهيّأ لهم ﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ ووقت الجزاء على الضلال وتكذيب الرسل والبعث ، وبعد ما استقروا في الجحيم أشدّ وأشقّ ، وفيه من التهكّم ما لا يخفى ، فانّ النّزل ما يعدّ تكرمة للضيف أوّل وروده.
ثمّ أخذ سبحانه في الاستدلال على صحّة البعث وصدق الرسل في إخبارهم به بقوله : ﴿نَحْنُ﴾
__________________
(١) المحاسن : ٥٧٦ / ٣٢ - ٣٤ ، معاني الأخبار : ١٥٠ / ٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٦.
(٢) المحاسن : ٥٧٧ / ٣٦ ، معاني الأخبار : ١٥٠ / ٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٦.