وعن ابن عباس : أنّها نزلت في عتبة بن ربيعة وأبي حذيفة بن المغيرة (١) .
﴿وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا * كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ
دَكًّا دَكًّا * وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ
الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى * يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ
عَذابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (١٩ و) (٢٦)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تقريعهم بقوله : ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ﴾ وتتصرّفون في الميراث ، الذي لليتامى ، أو في ميراث مورثكم ﴿أَكْلاً﴾ وتصرّفا ﴿لَمًّا﴾ وجامعا بين الحلال من إرثكم والحرام الذي هو حقّ اليتامى ، أو بين الحلال والحرام ﴿وَتُحِبُّونَ الْمالَ﴾ والأمتعة الدنيوية ﴿حُبًّا جَمًّا﴾ وكثيرا ، وتحرصون على جمعه وحفظه حرصا شديدا ، وتغفلون عن الموت والآخرة.
﴿كَلَّا﴾ لا ينبغي أن تكونوا بهذه الدرجة من الغفلة عن الآخرة ، واذكروا أهوال يوم القيامة ﴿إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ﴾ ودقّت بالزلازل ﴿دَكًّا﴾ هائلا و﴿دَكًّا﴾ متتابعا حتى تكون هباء منبعثا ، فلا يبقى عليها جبل ولا تلّ فضلا عن الأبنية والعمارات ﴿وَجاءَ رَبُّكَ﴾ وظهر قهره ، أو صدر أمره بالمحاسبة والمجازاة ، أو ظهرت آثار قدرته ومهابة سلطانه. ﴿وَ﴾ جاء ﴿الْمَلَكُ﴾ في العرصات من كلّ سماء ، ويقومون حول المحشر حال كونهم ﴿صَفًّا﴾ طويلا و﴿صَفًّا﴾ آخر بعد ذلك الصفّ. قيل : تكون صفوفهم سبعة على عدد السماوات (٢) ﴿وَجِيءَ﴾ بتوسّط الملائكة الغلاظ الشداد ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وحين ظهور سلطان الله وقهره ﴿بِجَهَنَّمَ﴾ في مرأى الخلق.
عن ابن مسعود ، قال : تقاد جهنّم بسبعين ألف زمام ، معه سبعون ألف ملك ، يجرّونها حتى تنصب عن يسار العرش ، لها تغيّظ وزفير ، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع ، ويجثو كلّ نبي ووليّ من الهول والهيبة على ركيبته ، ويقول : نفسي ، حتّى يعترض لها رسول الله صلىاللهعليهوآله ويقول : « امّتي امّتي » فتقول النار : مالي ولك يا محمد ، لقد حرّم الله لحمك عليّ (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام قال : « لمّا نزلت هذه الآية ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ سئل عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : أخبرني الرّوح الأمين أن (٤) الله لا إله غيره إذا برز الخلائق وجمع الأولين والآخرين ، أتى بجهنّم تقاد بألف زمام ، أخذ بكلّ زمام مائة ألف تقودها من الغلاظ الشّداد ، لها هدّة وغضب وزفير وشهيق ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٣١ : ١٧٠.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٣٠.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٣٠.
(٤) في النسخة : قال.