سوداء. وقيل : إنّ يحموم من أسماء جهنّم (١) .
ولمّا كان الظلّ مطلوبا لبرده واستفادة الراحة فيه ، وصف الظلّ بضدّ ما يكون مطلوبا له بقوله :
﴿لا بارِدٍ﴾ ذلك الظلّ ﴿وَلا كَرِيمٍ﴾ ونافع ومريح من أذى الحرّ.
قيل : لمّا كان المترفون والمتنعمون يطلبون أحسن الأهوية ، وأعذب المياه وأبردها (٢) ، القعود في الظلال ، بيّن سبحانه أنّهم إذا طلبوا الهواء الطيب يهبّ عليهم السّموم ، وإذا أرادوا دفع حرقته بالماء البارد كان ماؤهم حميما ، وإذا أرادوا أن يستكنوا ويدفعوا عن أنفسهم السّموم يكونون في ظلّ من يحموم.
وقيل : إنّ السموم يحرقهم فيعطشون ، فيشربون من الحميم فيقطّع أمعاءهم ، ويستظلّون منه ، فيكون ظلّهم من يحموم (٣) .
﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ * وَكانُوا
يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ
إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا
الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ *
فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٤٥) و (٥٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه سبب استحقاقهم ذلك العذاب بقوله : ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ﴾ اليوم في الدنيا ﴿مُتْرَفِينَ﴾ ومتنعّمين بالنّعم الدنيوية فألهتهم عن ذكر الله وكفروا نعمه ﴿وَكانُوا﴾ مع ذلك ﴿يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ﴾ والذنب ﴿الْعَظِيمِ﴾ وهو الشّرك بالله العظيم ، ويكذّبون الأنبياء الذين يدعونهم إلى التوحيد والإقرار بالمعاد ﴿وَكانُوا يَقُولُونَ﴾ إنكارا لهم واستبعادا لقولهم بالبعث بعد الموت : ﴿أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا﴾ بعد الموت ﴿تُراباً وَعِظاماً﴾ نخرة بالية ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ من القبور ، ومخرجون منها أحياء ؟ ﴿أَوَ﴾ يبعث ﴿آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ وأجدادنا السابقون بعد تفرّق أجزاء ترابهم في أقطار الأرض ، واختلاطها بغيرها من التراب ؟ وفي إعادة الاستفهام مبالغة في الإنكار.
ثمّ أمر الله سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله بردّهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهم : نعم ﴿إِنَ﴾ الامم ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ والسابقين من لدن آدم إلى زمانكم هذا ﴿وَ﴾ الامم ﴿الْآخِرِينَ﴾ الذين يأتون إلى يوم فناء الدنيا
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٣٣٣ ، تفسير أبى السعود ٨ : ١٩٤ ، تفسير الرازي ٢٩ : ١٦٨.
(٢) مجمع البيان ٩ : ٣٣٣ ، تفسير أبى السعود ٨ : ١٩٤ ، تفسير الرازي ٢٩ : ١٦٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ١٦٨.