﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ
مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) و (١٣)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه رسالة رسوله ، وإيتاءه بالهدى ودين الحقّ ، وتكميل لطفه وتفضّله على العباد ، حثّ المؤمنين على الإخلاص في الايمان به والجهاد معه بقوله تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بألسنتكم بمحمد ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ وارشدكم ﴿عَلى تِجارَةٍ﴾ واكتساب ومعاوضة رابحة ، تعالوا وعاملوا مع ربّكم معاملة يكون أهمّ فوائدها أنّها ﴿تُنْجِيكُمْ﴾ وتخلّصكم ﴿مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخرة ، كما تنجيكم التجارة الدنيوية من عذاب الفقر وألم الفاقة.
ثمّ كأنّه قيل : أيّ تجارة هي ، وكيف نعمل ، وما نصنع (١) ؟ فقال سبحانه : ﴿تُؤْمِنُونَ﴾ أولا عن صميم القلب وخلوص النّيّة ﴿بِاللهِ﴾ وبوحدانيته ﴿وَ﴾ برسالة ﴿رَسُولِهِ﴾ محمد.
عن ابن عباس قال : المؤمنون : لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله لعلمنا ، فنزلت الآية ، فمكثوا ما شاء الله يقولون : يا ليتنا نعلم ما هي ، فدلّهم الله عليها بقوله : ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾(٢) . ﴿وَ﴾ بعد ذلك ﴿تُجاهِدُونَ﴾ أعداء الله ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ونصرة دينه ﴿بِأَمْوالِكُمْ﴾ بأن تبذلوها للفقراء والمجاهدين ﴿وَأَنْفُسِكُمْ﴾ بأن تبذلوا مهجكم دون رسوله ﴿ذلِكُمْ﴾ الايمان والجهاد ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ من الدنيا وما فيها ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك لعملتم به ، أو إن كنتم تعلمون أن العاقل لا يختار إلّا ما هو خير له ، لا تختارون غير الايمان والجهاد في سبيل الله ، فانّ فائدتهما إن فعلتما ذلك ﴿يَغْفِرْ﴾ الله ﴿لَكُمْ﴾ بكرمه ﴿ذُنُوبَكُمْ﴾ ويستر عن أنظاركم وأنظار جميع الخلق يوم القيامة معاصيكم وخطاياكم ، وفي تلك المغفرة نجاتكم من العذاب ﴿وَ﴾ بعد ذلك ﴿يُدْخِلْكُمْ﴾ بفضله ﴿جَنَّاتٍ﴾ وبساتين ذات أشجار كثيرة وقصور عالية ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة ، وبعد دخول الجنّة يدخلكم منازل ﴿وَمَساكِنَ طَيِّبَةً﴾ مرضية نزهة كائنة ﴿فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ وخلود ﴿ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ .
سئل النبي صلىاللهعليهوآله عن هذه المساكن الطيبة فقال : « قصر من لؤلؤ في الجنة ، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء ، في كلّ دار سبعون بيتا من زمرّدة خضراء ، في كلّ بيت سبعون وصيفا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٥٠٥.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٢١٧.