يعود ، والظاهر الواضح للالوهية والربوبية بالآثار والدلائل ، والباطن المحتجب كنهه عن العقول والأوهام.
قيل : يجب أن ينعدم جميع ما يكون من الجنّة والنار وأهلها حتى يصحّ كونه آخرا (١) . وفيه : أنه بعد ثبوت بقاء الموجودات الاخروية ، مع حكم العقل بإمكانه ، لا بدّ من حمل آخريته على معنى اختصاص شأنيتها به تعالى ، وإن لم يقع انعدام غيره بقدرته ، أو آخريته بعد فناء الدنيا.
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ ظاهره وباطنه ﴿عَلِيمٌ﴾ لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ، إذ ما من موجود إلّا وهو بشراشره مخلوقه ومصنوعه.
قيل : من قرأ هذه الآية بعد صلاة ركعتين خمسا وأربعين مرّة قضى الله حاجته (٢) .
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ
عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) و (٦)﴾
ثمّ بيّن سبحانه علّة كون جميع الموجودات ملكا له تعالى وتحت سلطانه بقوله : ﴿هُوَ﴾ الإله القادر ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ وأوجدهما بقدرته الكاملة وحكمته البالغة ﴿فِي﴾ مدّة مقدّرة ب ﴿سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ من أيام الدنيا ، أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة ، ليتعلم العباد التأنّي في الامور ﴿ثُمَّ اسْتَوى﴾ واستولى بالعلم والقدرة ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ المفسّر في آية الكرسيّ.
ثمّ صرّح سبحانه بإحاطته العلمية بقوله : ﴿يَعْلَمُ ما يَلِجُ﴾ ويدخل ﴿فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ﴾ إلى الأرض ﴿وَما يَعْرُجُ فِيها﴾ وما يصعد من الأرض إليها ، وقد مرّ تفسيرها في سوره سبأ (٣)﴿وَهُوَ﴾ بذاته ﴿مَعَكُمْ﴾ بالاحاطة والقدرة ﴿أَيْنَ ما كُنْتُمْ﴾ وفي أيّ مكان تمكّنتم من الأرض ، تحتها أو فوقها ، خلوتها أو جلوتها ﴿وَاللهُ﴾ العظيم حسب الوهيته ﴿بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الطاعة والعصيان ﴿بَصِيرٌ﴾ وشهيد ، فيجازيكم عليه بالثواب الجزيل والعقاب الشديد.
ثمّ أعاد سبحانه بيان سلطنته التامة المطلقة على جميع الموجودات بقوله : ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢١٢.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٥٠.
(٣) تقدّم في سورة سبأ : ٣٤ / ٢.