عقله » (١) .
﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ وأمهلهم في الدنيا بإطالة أعمارهم وتأخير آجالهم ، ليزدادوا إثما ، ويكون لهم أشدّ العذاب في الآخرة ، واعلم ﴿إِنَّ كَيْدِي﴾ وتدبيري الخفيّ عنهم في إهلاكهم وازدياد عذابهم ﴿مَتِينٌ﴾ ومستحكم لقوة أثره في إهلاكهم الدنيوي والاخروي. وقيل : إنّ المعنى أنّ أخذي إياهم بالعذاب قويّ شديد لا يدفع بشيء (٢) .
﴿أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ *
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْ لا أَنْ
تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ
الصَّالِحِينَ (٤٦) و (٥٠)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان سوء حال الكفار ، وتهديدهم بأهوال القيامة ، وتسلية النبي صلىاللهعليهوآله بأنّه تعالى كافيهم ، وأنّه معذّبهم على تكذيبهم ، عاد إلى تقريعهم وتبكيتهم في عدم إيمانهم بالرسول بقوله : ﴿أَمْ تَسْئَلُهُمْ﴾ وتطلب منهم على تبليغاتك عن الله ﴿أَجْراً﴾ وجعلا ماليا ﴿فَهُمْ﴾ لا يؤمنون بك ﴿مِنْ﴾ جهة ﴿مَغْرَمٍ﴾ وضرر مالي متوجّه إليهم لأجل الايمان بك ﴿مُثْقَلُونَ﴾ ومتحمّلون حملا ثقيلا فيعرضون عنك ؟ وإلّا فليس لهم عذر في الفرار منك وعدم التسليم لرسالتك ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ﴾ واللوح المحفوظ الذي لا يعلمه أحد مكتوب فيه أنّهم آمنون يوم القيامة من العذاب فائزون بأعلى الثواب كالمسلمين ﴿فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ ويستنسخون منه ويعتمدون عليه. وقيل : يعني أم يدّعون أنّ المغيبات حاضرة في عقولهم ، ولذا يكتبون على الله ما شاؤوا وأرادوا (٣) .
ثمّ إنّه تعالى بعد إبطال قول الكفّار وزجرهم عمّا يقولون ، أمر رسوله بالصبر على أقوالهم الشنيعة وأعمالهم السيئة بقوله : ﴿فَاصْبِرْ﴾ يا محمد ﴿لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ بإمهالهم وتأخير نصرتك عليهم ، وتبليغك الرسالة ، وتحمّلك الأذى من قومك ، ﴿وَلا تَكُنْ﴾ ضيق الصدر ، قليل التحمّل ﴿كَصاحِبِ الْحُوتِ﴾ وهو يونس النبيّ ﴿إِذْ نادى﴾ ربّه في بطن الحوت بقوله : لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ ومملوء غيظا على قومه أو مغموم كما عن الباقر عليهالسلام (٤) ، ولا تضجر من أذى قومك كما انضجر هو فتبتلى كما ابتلى ﴿لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ﴾ ووصل إليه ﴿نِعْمَةٌ﴾ ورحمة عظيمة
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ١٢٤.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ١٢٥.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٩٨.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٨٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٢١٥.