فاستيقظ عليهالسلام ، فبعث عليا عليهالسلام والزبير وعمارا ، فنزحوا ماء البئر ، فكأنّه نقاعة الحنّاء ، ثمّ دفعوا راعونة البئر - وهي الصخرة التي توضع في اسفل. فأخرجوا من تحتها الأسنان (١) . ومعها وتر قد عقد فيه إحدى عشرة عقدة مغرّزه بالأبر ، فجاؤوا بها إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، فجعل يقرأ المعوذتين عليها ، فكان كلّما قرأ آية انحلّت عقدة ، ووجد عليهالسلام خفّة حتى انحلّت العقدة الأخيرة عند تمام السورتين (٢) .
وقيل : إنّ المراد بالنفّاثات الجماعات من السّحرة : لأنّه كلّما كان اجتماع السّحرة على العمل أكثر كان التأثير أشدّ (٣) .
وقيل : إنّ المراد الاستعاذة من شرّ النساء اللاتي يتصرّفن في عزائم الرجال وآرائهم ، فاستعير هنا [ من ] عقد الحبال في فيها ، والنفث هو تليين العقدة من الحبل بريق تقذفه عليه لتسهيل حلّه ، فأمر النبي صلىاللهعليهوآله بالتعوّذ من شرّ النساء اللاتي يتصرّفن في قلوب الرجال ، ويحوّلنّهم من رأي إلى رأي ومن عزيمة إلى عزيمة ، كقوله : ﴿إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾(٤) .
ثمّ خصّ سبحانه شرّ حسد الحاسد بالذكر بقوله : ﴿وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ﴾ ومتمنّ زوال النعمة عن مستحقّها ﴿إِذا حَسَدَ﴾ وأظهر ما في نفسه من ذلك التمنّي وعمل بمقتضاه.
عن الصادق عليهالسلام قال : « قال رسول الله : كاد الحسد أن يغلب القدر » (٥) .
قيل : ذكر الله سبحانه الشرور في هذه السورة ثمّ ختمها بالحسد ، ليظهر أنّه أخبث الطبائع ، كما قال ابن عباس (٦) .
__________________
(١) المراد أسنان مشط النبي صلىاللهعليهوآله كما ورد في أول الخبر الذي لم يذكره المصنف ، وفيه : عن ابن عباس وعائشة : أنه كان غلام من اليهود يخدم النبي عليهالسلام وكان عنده اسنان من مشطه عليهالسلام فأعطاها اليهود فسحروه عليهالسلام فيها. تفسير روح البيان ١٠ : ٥٤٢.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٤٤ ، والباقي في ص : ٥٤٣.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٦.
(٤) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٦ ، والآية من سورة التغابن : ٦٤ / ١٤.
(٥) الكافي ٢ : ٢٣٢ / ٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٩٦.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٤٥.