لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا
يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ
وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ * كَلاَّ وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ
أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ * إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شاءَ
مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٢٦) و (٣٧)﴾
ثمّ فسّر سبحانه تهديده بإرهاقه الصعود بقوله : ﴿سَأُصْلِيهِ﴾ وادخله عنفا وجبرا ﴿سَقَرَ﴾ وجهنم. قيل : إن سقر أحد أسماء جهنم (١) . وعن ابن عباس : أنّه اسم للطبقة السادسة من جهنم (٢) .
ثمّ بالغ سبحانه في التهويل بقوله : ﴿وَما أَدْراكَ﴾ وأي شيء أعلمك يا محمد ﴿ما سَقَرُ ؟﴾ فانّ العلم بها وبوصفها وشدّة حرّها خارج عن إدراك العقول في هذا العالم ، إنّما الممكن من إدراكها أن يقال : إنّها ﴿لا تُبْقِي﴾ ممّا ألقى فيها شيئا بل تهلكه بالإحراق ﴿وَلا تَذَرُ﴾ هالكا حتّى يعاد.
عن ابن عباس : أنّها لا تبقي من الدم واللحم والعظم شيئا ، فاذا اعيدوا خلقا جديدا لا تذر أن تعاود إحراقهم بأشدّ ممّا كانت ، وهكذا أبدا (٣) ، ولا تبقي من المستحقّين للعذاب إلّا عذّبتهم ، ثمّ لا تذر من أبدان اولئك المعذّبين شيئا إلّا أحرقته.
وقيل : يعني لا تبقي من أبد ان المعذّبين شيئا ، ولا تذر من قوّتها وشدّتها شيئا إلّا أعملت تلك القوة والشدّة في تعذيبهم (٤) .
وقيل : إنّ الجملتين مترادفتان ذكرا للتأكيد (٥) .
وتلك الجحيم ﴿لَوَّاحَةٌ﴾ وظاهرة ﴿لِلْبَشَرِ﴾ وبني آدم من مسيرة خمسين عام ، ويصل إلى الكافر سمومها وحرورها ، كما يصل إلى المؤمن ريح الجنة ونسيمها من تلك المسافة ، كذا قيل (٦) . وقيل : إنّ المعني مغيرة لظاهر الجلد (٧) ويصير لونها أسود كالليل المظلم ، ومأمور من قبلنا بتنظيم امور سقر ، وموكّل ﴿عَلَيْها﴾ ومسلّط على أهلها ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ من الملائكة الغلاظ الشّداد. قيل : أعينهم كالبرق ، وأنيابهم كالصياصي ، وأشفارهم تمسّ أقدامهم ، يخرج لهب النار من أفواههم ، ما بين منكبي كلّ منهم مسيرة سنة ، كفّ أحدهم يسع مثل ربيعة ومضر ، نزعت منهم الرأفة والرحمة ، رئيسهم
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٢ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.
(٣-٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٢.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.
(٧) تفسير أبي السعود ٩ : ٥٨ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.