مالك (١) .
ثمّ روي أنّه لمّا نزلت الآية قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم امّهاتكم ، قال ابن ابي كبشه أنّ خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الجمع العظيم أيعجز (٢) كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم ؟ فقال أبو الأشدّ أو أبو الأسود - بن أسيد بن كلدة الجمحي ، وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر ، وأكفوني أنتم اثنين. فلمّا قال أبو جهل وأبو الأشدّ - أو أبو الأسود - ذلك قال المسلمون : ويحكم لا تقاس الملائكة بالحدّادين أي السجّانين. فنزلت ﴿وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ﴾(٣) وخزنتها الذين يقومون بأمرها ﴿إِلَّا مَلائِكَةً﴾ وكلّ واحد منهم أقوى من جميع الإنس والجنّ ، وأطوع لأوامر الله ، وليس لهم رأفة بالثقلين لمخالفتهم إياهم في الجنس.
عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « لقوّة أحدهم مثل قوة الثقلين ، يسوق أحدهم الامّة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار ، ويرمي بالجبل عليهم » (٤) .
﴿وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا﴾ العدد الذي يكون ﴿فِتْنَةً﴾ وسببا لازدياد الكفر ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأصرّوا على كفرهم وعنادهم ، وما أخبرنا بعددهم الا ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ﴾ من اليهود والنصارى بصحّة نبوّة محمد صلىاللهعليهوآله وصدق كتابه ، لما شاهدوا من موافقته لكتبهم من أنّ محمدا امّي لم يقرأها ولم يسمع شيئا من علمائهم ﴿وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بمحمد صلىاللهعليهوآله وكتابه ﴿إِيماناً﴾ ويقينا بهما بما رأوا من تصديق أهل الكتاب ما في القرآن.
روي أنّ اليهود سألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله عن خزنة النار وعددهم ، فأجاب صلىاللهعليهوآله بأنّهم تسعة عشر(٥) .
﴿وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ ولا يعتريهم الشكّ بعد يقينهم بنوة محمد صلىاللهعليهوآله وصدق كتابه ، ولا تعرض لهم (٦) شبهة ما ، بل يكون يقينهم يقينا ثابتا جازما ﴿وَلِيَقُولَ﴾ المنافقون ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ الكفر والنفاق والشكّ ﴿وَالْكافِرُونَ﴾ المتجاهرون بالكفر المصرّون عليه استهزاء بالقرآن وإنكار الآية من عند الله : ﴿ما ذا﴾ وأي شيء ﴿أَرادَ اللهُ بِهذا﴾ العدد الذي عيّن لخزنة جهنّم ؟ وهو العدد الناقص عن العقد ، ولم يقل عشرون أو ثلاثون ، فهو يكون ﴿مَثَلاً﴾ في الغرابة ﴿كَذلِكَ﴾ الذي ذكرنا من هداية أهل الكتاب ، وازدياد يقين المؤمنين بنزول هذه الآية ، وإضلال الكافرين والمنافقين ﴿يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ﴾ إضلاله على خبث طينته وذمائم أخلاقه
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٣ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١ و٢٣٢.
(٢) في النسخة : أيفجر.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٣.
(٤) تفسير أبي السعود ٩ : ٥٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣٣.
(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣٤.
(٦) في النسخة : ولا يعرضهم.