الْبَشَرِ (١٨) و (٢٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه كيفية عناده بقوله : ﴿إِنَّهُ﴾ لعنه الله ﴿فَكَّرَ﴾ في القرآن وتدبّر ﴿وَقَدَّرَ﴾ ورتّب في خواطره كلاما لصرف الناس عنه.
ثمّ أظهر سبحانه التعجّب من قوة فكره وتهيئة ردّه بقوله : ﴿فَقُتِلَ﴾ اللعين ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ ورتّب هذا الكلام وقيل : إنّ مدح كلامه على سبيل الاستهزاء ، والمراد إظهار أنّه في غاية الرّكاكة (١) .
ثمّ بالغ سبحانه في إظهار التعجّب من كلامه بقوله : ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ ورتّب كلامه الكذب من قبل نفسه ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ فيما قدّر.
قيل : فكّر أولا وقدّر الكلام ثانيا ، ثمّ نظر وتأمّل في ذلك المقدّر احتياطا ثالثا (٢) أو نظر في القرآن ﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ وقطّب وجهه من الغضب والعناد حيث رأى نفسه عاجزا عن ردّه وإبطاله ﴿وَبَسَرَ﴾ وتغيّر وجهه واسودّ ، أو قيّض ما بين عينيه ، أو استعجل في عبوسه وأظهره في غير موقعه.
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ عن الحقّ ، وأعرض عنه ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ عن اتّباعه ﴿فَقالَ﴾ عقيب إعراضه واستكباره : ﴿إِنْ هذا﴾ القرآن الذي جاء به محمد ، وما هذا الكلام الذي يتحدّي به ﴿إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ ويتعلّم من الغير ، وليس هو بكلام الله ﴿إِنْ هذا﴾ وما ذلك ﴿إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾.
قيل : إنّ مراده من البشر يسار وجبير ، كانا عبدين من فارس ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله يراودهما ، وأبوه فكيهة كان غلاما روميا يتردّد إلى مكّة من طرف مسيلمة الكذّاب في اليمامة (٣) .
روي أنّ الوليد مرّ بالنبي صلىاللهعليهوآله وهو يقرأ حم السجدة (٤) - وقيل : فواتح حم المؤمن (٥) - فقال لبني مخزوم : والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجنّ ، إنّ له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يعلى عليه. فقالت قريش صبا والله الوليد ، لتصبأنّ قريش ، أي بمتابعته فقال ابن أخيه أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فقعد عنده حزينا ، وكلّمه بما أغضبه ، فقال الوليد : ألم تعلم قريش أنا أكثرهم مالا وولدا إلى أن قال : أتزعمون أنّ محمدا مجنون ، فهل رأيتموه أنّه يخلق ؟ فانّ العرب كانت تعتقد أنّ الشيطان يخلق المجنون ويتخبّطه ، أو تقولون : إنّه كاهن ، فهل رأيتموه يتكهّن ؟ أو تزعمون أنّه شاعر ، فهل رأيتموه يتعاطى الشعر قطّ ؟ أو تزعمون أنّه كذّاب ، فهل جرّبتم عليه شيئا من الكذب.
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٩.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٠.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٢.
(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٩.