﴿أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى﴾(١) .
وقيل : إنّ المعنى : كيف توردون الشكّ على ما يراه بعين اليقين ، ولا شكّ بعد الرؤية ، وأنتم تقولون أصابه الجنّ (٢) .
ثمّ أكّد سبحانه رؤية محمد صلىاللهعليهوآله ربّه بقوله : ﴿وَلَقَدْ رَآهُ﴾ محمّد صلىاللهعليهوآله ﴿نَزْلَةً﴾ ومرّة ﴿أُخْرى﴾ حين رجوعه من العرش ، فانّ له نزولات وعروجات لسؤال التخفيف على ما قيل (٣) . وعن كعب : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رأى ربّه مرّتين (٤) ﴿عِنْدَ﴾ شجرة ﴿سِدْرَةِ﴾ كانت في السماء السادسة أو السابعة ﴿الْمُنْتَهى﴾ إليها صعود الملائكة وأعمال العباد ، وهو مقام جبرئيل بحيث لا يمكنه التجاوز ، ولذا تخلّف عن النبي صلىاللهعليهوآله حين عروجه إلى العرش ، وقال : لو دنوت أنملة لاحترقت.
عن الباقر عليهالسلام ، قال : « فلمّا انتهى إلى سدرة المنتهى تخلّف عنه جبرئيل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا جبرئيل ، في مثل هذا الموضع تخذلني ؟ فقال : تقدّم أمامك ، فو الله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه خلق من خلق [ الله ] قبلك ، فرأيت من نور ربّي ، وحال بيني وبينه السّبحة ، قيل : وما السّبحة ؟ فأومأ بوجهه إلى الأرض ، وبيده إلى السماء ، وهو يقول : جلال ربّي ، جلال ربّي ، ثلاث مرات » (٥) .
وعنه عليهالسلام ، قال : « ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى﴾ يعني عندها وافى به جبرئيل حين صعد إلى السماء ، فلمّا انتهى إلى محلّ السّدرة وقف جبرئيل دونها ، وقال : يا محمد ، إنّ هذا موقفي الذي وضعني الله عزوجل فيه ، ولم أقدر على أن أتقدّسه ، ولكن أمض أنت أمامك إلى السّدرة ، فوقف عندها » قال : « فتقدّم رسول الله إلى السّدرة ، وتخلّف جبرئيل » .
قال : « إنّما سمّيت سدرة المنتهى ؛ لأنّ أعمال أهل الأرض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محلّ السدرة ، والحفظة الكرام البررة دون السّدرة يكتبون ما يرفع إليهم الملائكة من أعمال العباد في الأرض » . قال : « فينتهون بها إلى محلّ السّدرة » .
قال : « فنظر رسول الله صلىاللهعليهوآله فرأى أغصانها تحت العرش وحوله ، فتجلّى لمحمد صلىاللهعليهوآله نور الجبّار عزوجل ، فلمّا غشي النور محمد صلىاللهعليهوآله شخص بصره ، وارتعدت فرائصه » قال : « فشدّ الله عزوجل لمحمد صلىاللهعليهوآله قلبه ، وقوّى له بصره حتى رأى من آيات ربّه ما رأى ، وذلك قول الله عزوجل : ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى﴾ » .
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٣٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٨٩.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ٢٩٠.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٢٢٤.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٢٢٥ ، ولم ينسبه إلى أحد.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٢٤٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٩٠.