﴿شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ﴾(١) وكما أنّ شيطان الجنّ يوسوس تارة ويخنس اخرى ، كذلك شيطان الإنس يرغّب الناس إلى الشرور والقبائح ، ويري نفسه كالناصح المشفق ، فان زجره السامع يخنس ويترك الوسوسة ، وإن قبل قوله بالغ فيه (٢) . وقيل : إنّ التقدير : من شرّ الجنّة والناس ، فاستعاذ أولا من شرّ الوسواس ، وهو الشيطان ، ثمّ استعاذ من شرّ عموم الجنّ والإنس (٣) .
عن الصادق عليهالسلام قال : « ما من مؤمن إلّا ولقلبه اذنان : في جوفه اذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس ، واذن ينفث فيها الملك ، فيويّد الله المؤمن بالملك ، فذلك قوله : ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ﴾ » (٤) .
وعن القمي رحمهالله : ما من قلب إلّا وله اذنان. على أحدهما مرشد ، وعلى الآخر شيطان مفتّن ، هذا يأمره ، وذاك يزجره ، كذلك من الناس شيطان يحمل الناس على المعاصي ، كما يحمل الشيطان من الجنّ » (٥) .
وعن ( طب الأئمة ) [ عن أبا عبد الله عليهالسلام ] : « أنّ جبرئيل أتى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا محمد. قال : لبيك يا جبرئيل » . قال : إنّ فلانا سحرك ، وجعل السحر في بئر بني فلان ، فابعث إليه - يعني البئر - أوثق الناس وأعظمهم في عينيك ، وهو عديل نفسك حتّى يأتيك بالسحر ، قال : فبعث النبي صلىاللهعليهوآله علي بن أبي طالب وقال : انطلق إلى بئر ذروان (٦) ، فانّ [ فيها ] سحرا سحرني [ به ] لبيد بن أعصم اليهودي فأتني به.
قال علي عليهالسلام : فانطلقت في حاجة رسول الله صلىاللهعليهوآله فهبطت فإذا ماء البئر كأنّه الحنّاء من السّحر ، فطلبته مستعجلا حتى انتهيت إلى أسفل القليب ، فلم اظفر به. قال الذين معي : ما فيه شيء. فاصعد ، فقلت : لا والله ما كذبت ولا كذب.
إلى أن قال : ثمّ طلبت طلبا بلطف ، فاستخرجت حقا ، فأتيت النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال : افتحه ففتحته ، فإذا في الحقّ قطعة كرب النخل ، في جوفه وتر ، عليها إحدى عشرة عقدة ، وكان جبرئيل أنزل يومئذ المعوّذتين على النبي صلىاللهعليهوآله. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : اقرأها يا علي على الوتر ، وجعل أمير المؤمنين عليهالسلام كلّما قرأ آية انحلّت عقدة حتّى فرغ منها ، وكشف الله عن نبيّه صلىاللهعليهوآله ما سحر [ به ] وعافاه » .
وفي رواية : « أنّ جبرئيل وميكائيل أتيا النبي صلىاللهعليهوآله ، فجلس أحدهما عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فقال جبرئيل لميكائيل : ما وجع الرجل ؟ فقال ميكائيل :
هو مطبوب (٧) ، فقال جبرئيل : من طبّه ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي » [ ثمّ ذكر الحديث إلى آخره ](٨) .
__________________
(١) الأنعام ٦ / ١١٢.
(٢) تفسير الرازي ٣٩ : ١٩٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٥٠.
(٣) تفسير الرازى ٣٢ : ١٩٩.
(٤) الكافي ٢ : ٢٠٦ / ٣ ، مجمع البيان ١٠ : ٨٧٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٩٨ ، والآية من سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٤٥٠ ، وتفسير الصافي ٥ : ٣٩٨ ، عن الصادق عليهالسلام.
(٦) في النسخة : ازوان ، وفي تفسير الصافي : ازران.
(٧) أي مسحور.
(٨) طب الأئمة عليهمالسلام : ١١٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٩٦.