قال : « لقد كلّف الله هذا شططا » قال : فكيف هو ؟ فقال : « كلّما ذكر اسم ربّه صلّى على محمّد وآله » (١) .
ثمّ كأنّه قيل : لا تفعلون أيّها الكفار ذلك ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ﴾ وتختارون ﴿الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ ولذّاتها ﴿وَ﴾ الحال أنّ ﴿الْآخِرَةُ خَيْرٌ﴾ وأفضل من الدنيا ؛ لأن نعمها ولذّاتها أعلى وأخلص من شائبة الآلام والغوائل ﴿وَأَبْقى﴾ وأدوم ، بل لا انقطاع لها ولا انصرام ﴿إِنَّ هذا﴾ المذكور من الفلاح بالتزكية ، وأن الآخرة خير وأبقى ﴿لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى﴾ والكتب السابقة المنزلة من السماء ، أعني ﴿صُحُفِ إِبْراهِيمَ﴾ الخليل ﴿وَ﴾ صحف ﴿مُوسى﴾ بن عمران الكليم.
روي أنّ جميع ما أنزل الله من كتاب مائة وأربعة كتب ، أنزل على آدم عشر صحف ، وعلى شيث خمسين صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، والتوراة والانجيل والزبور والفرقان ، فصحف موسى هي الألواح التي كتبت فيها التوراة (٢) . وقيل صحفه كانت قبل التوراة ، وهي عشر (٣) .
وعن ( الخصال ) عن أبي ذرّ رضوان الله عليه : أنّه سأل رسول الله صلىاللهعليهوآله: كم أنزل الله من كتاب ؟ قال : « مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة ، وأنزل التوراة والإنجيل والزّبور والفرقان » .
قلت : يا رسول الله ، ما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : « كانت أمثالا كلّها ، وكان فيها : أيّها الملك المبتلى ، إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ، ولكنّي بعثتك لتردّ عنّي دعوة المظلوم ، فانّي لا اردّها وإن كانت من كافر ، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا أن يكون له أربعة ساعات : ساعة يناجي فيها ربّه وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة فيها يتفكّر فيما صنع الله عزوجل إليه ، وساعة يخلو فيها بحظّ نفسه من الحلال ، فانّ هذه الساعة عون لتلك الساعات » .
إلى أن قال : « وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ، فانّ من حسب كلامه من علمه قلّ كلامه إلّا فيما يعنيه ، وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث : مرمّة لمعاش ، أو تزوّد لمعاد ، أو تلذّذ في غير محرّم » .
قال : قلت : يا رسول الله ، فما كانت صحف موسى ؟ قال : « كانت عبرا كلّها ، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، ولمن أيقن بالنار كيف يضحك ، ولمن يرى الدنيا وتقلّبها كيف يطمئنّ إليها ، ولمن يؤمن بالقدر كيف ينصب ، ولمن يؤمن بالحساب ثمّ لا يعمل » هكذا النسخة.
__________________
(١) الكافي ٢ : ٣٥٩ / ١٨ ، وتفسير الصافي ٥ : ٣١٨ ، عن الامام الرضا عليهالسلام.
(٢و٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٤١١.