قيل : نكتة عطف الثاني والثالث بالواو (١) مع اتّحاد الكلّ الإشعار بأنّ كلّ واحد من الأوصاف من الصفات العظيمة الجليلة الحقيقة بأن يكون كلّ على حياله مناطا لاستحقاق موصوفه للتعظيم والاجلال ، وعطف الرابع والخامس بالفاء لتفرعها على الأول.
وعن الصادق عليهالسلام : قوله ﴿النَّازِعاتِ﴾ قال : « هم ملائكة الموت ينزعون النفوس » (٢) .
وعن الباقر عليهالسلام : « ﴿ فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً﴾ تسبق أرواح المؤمنين إلى الجنة » (٣) .
وقيل : إنّ المراد من الثلاثة الاخر عموم الملائكة المأمورين لامور العالم (٤) ، والمراد من السابحات طوائف الملائكة الذين ينزلون من السماء بسرعة كالسابح في الماء لعامة الامور ، ولازم السرعة هو التقدّم في السير وإجراء الامور وتدبيرها بغير تراخ.
وقيل : إنّ السابقات الملائكة الذين يسبقون الشياطين بالوحي إلى الأنبياء (٥) .
وقيل : النازعات صفة النجوم التي تكون ذوات نزع وجذب من تحت الأرض إلى فوقها نزعا شديدا (٦) ، والناشطات هي النجوم التي تسير من برج إلى برج ، فالمراد من نزعها حركتها اليومية ، ومن نشطها حركاتها الخاصة في أفلاكها بحركة ملائمة لذواتها ، والمراد من السابحات هي النجوم تسبح في الفلك ، كما قال تعالى : ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾(٧) ووصفها بالسابقات باعتبار سبق بعضها على بعض ، ووصفها بالمدبّرات باعتبار ما يترتّب عليها من الآثار كاختلاف الفصول وتمييز الأوقات واختلاف الأحوال ، وعلى أيّ تقدير كلّها قسم على وقوع البعث والقيامة ، والتقدير : اقسم بهذه الامور العظام لتبعثنّ بعد الموت ، أو لننفخنّ في الصّور ، أو إن ما توعدون لواقع.
وقيل : إنّ جواب القسم مذكور ، وهو قوله : ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ﴾(٨) والمعنى : أن ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ﴾ وتتزلزل وتضطرب شديدا جميع الأجرام الساكنة كالأرض والجبال بالنفخة الاولى التي هي ﴿الرَّاجِفَةُ﴾ والمحرّكة لكلّ شيء ، فأسند الفعل إلى سببه لأنّ النفخة سبب لاضطراب الاجرام ، ثمّ ﴿تَتْبَعُهَا﴾ وتحدّث بعدها النّفخة الثانية التي هي ﴿الرَّادِفَةُ﴾ للإحياء ، والمراد باليوم الزمان الممتدّ الذي يقع بين النفختين.
__________________
(١) تفسير ابي السعود ٩ : ٩٦.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٦٥١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٧٩ ، وفيهما : هو الموت ينزع النفوس.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٤٠٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٧٩.
(٤) مجمع البيان ١٠ : ٦٥٢.
(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٢٨.
(٦) تفسير الرازي ٣١ : ٢٩.
(٧) الأنبياء : ٢١ / ٣٣.
(٨) تفسير الرازي ٣١ : ٣٣.