من الثمار بعينه (١) وهو متكيء » (٢) .
﴿وَيُطافُ﴾ ويدور ﴿عَلَيْهِمْ﴾ في قصورهم ﴿بِآنِيَةٍ﴾ وأوعية كالقدح والكأس مخلوقة ﴿مِنْ﴾ جنس ﴿فِضَّةٍ﴾ لها غاية اللّطافة ﴿وَأَكْوابٍ﴾ وكيزان لا عري لها ولا آذان يصبّ منها المشروب في الآنية ﴿كانَتْ﴾ ووجدت حال كونها في الصفاء والشفافية تشبه ﴿قَوارِيرَا﴾ وآنية زجاجية ، ولكن لا قوارير متكونة من الرمل كما القارورة في الدنيا كذلك ، بل ﴿قَوارِيرَا﴾ متكونة ﴿مِنْ فِضَّةٍ﴾ فكما أنّ الله قادر على أن يقلب الرمل الكثيف في الدنيا زجاجة صافية شفّافة ، قادر على أن يقلب فضّة الآخرة زجاجة صافية ، ففي آنية الآخرة صفاء الزجاج وشفافيته ، ونقاء (٣) الفضّة وشرفها.
عن ابن عباس : ليس في الدنيا شيء ممّا في الجنّة إلّا الأسماء (٤) . وقيل : إنّ الأكواب تكون من فضة ، ولكن لها صفاء القارورة (٥). عن الصادق عليهالسلام : « ينفذ البصر في فضّة الجنّة ، كما ينفذ في الزّجاجة » (٦) .
وقيل : إنّ المراد من ﴿قَوارِيرَا﴾ في الآية ليس هو الزّجاج ، فانّ العرب تسمّى ما استدار من الأواني التي تجعل فيها الأشربة ورقّ وصفا قارورة ، فمعنى الآية : وأكواب من فضّة مستديرة صافية رقيقة(٧) .
ثمّ لمّا بيّن سبحانه صفاء الأواني بقوله : ﴿كانَتْ قَوارِيرَا﴾ ونقائها بقوله : ﴿مِنْ فِضَّةٍ﴾ بيّن شكلها بأنّ الشاربين ﴿قَدَّرُوها﴾ على قدر ريهم (٨) بارادتهم واشتهائهم ، أو بأعمالهم الحسنة ﴿تَقْدِيراً﴾ موافقا لميلهم واشتهائهم من غير زيادة ونقصان ، وهو ألذّ لأهل الجنّة (٩) .
﴿وَيُسْقَوْنَ فِيها﴾ بأمر الله ﴿كَأْساً كانَ مِزاجُها﴾ وخليطها شيئا يشبه ﴿زَنْجَبِيلاً﴾ في الطعم والرائحة ، ولكن ليس فيه لذعه وإحراقه ، وكان الشراب الممزوج به أطيب ما تستطيبه العرب وألذّ ما تستلذّه.
﴿عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ
حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٨) و (١٩)﴾
ثمّ لمّا كان تسمية المزاج بالزنجبيل موهمة لأن لا يكون له سلاسة الانحدار في الخلق وسهولة المساغ ، كما هو مقتضى اللّذع والإحراق ، دفع سبحانه التوهّم بقوله : ﴿عَيْناً فِيها تُسَمَّى﴾ عند أهل الجنّة وخزنتها ﴿سَلْسَبِيلاً﴾ ومشروبا في غاية العذوبة وسهولة المساغ ، ونهاية السّلاسة.
__________________
(١) في الكافي بفيه.
(٢) الكافي ٨ : ٩٩ / ٦٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٦٣.
(٣) في النسخة : وشفافته ، ونقلوا.
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٧١.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٩.
(٦) مجمع البيان ١٠ : ٦٢١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٦٣.
(٧) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٩.
(٨) في النسخة : يريهم.
(٩) في النسخة : ألذّ أهل الجنّة بقوله.