﴿وَ﴾ مع ذلك ﴿يَخافُونَ﴾ لاحتمال التقصير في عبادة ربّهم ﴿يَوْماً﴾ عظيما ﴿كانَ شَرُّهُ﴾ وهو له وعذابه ﴿مُسْتَطِيراً﴾ ومنتشرا في أقطار العالم غاية الانتشار ، وبالغا أقصى المبالغ ، وواصلا إلى كلّ أحد إلّا من آمنه الله من المؤمنين المطيعين ، أو المعنى : شرّه سريع الوصول إلى العصاة. وعن الباقر عليهالسلام « كلوحا عبوسا » (١) .
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ﴾ مع شدّة حاجتهم إليه ، وكونهم ﴿عَلى حُبِّهِ﴾ عن الباقر عليهالسلام يقول : « على شهوتهم » (٢) . وقيل : إطعاما كائنا على حبّ الله (٣)﴿مِسْكِيناً﴾ وفقيرا من المؤمنين ﴿وَيَتِيماً﴾ من يتاماهم ﴿وَأَسِيراً﴾ من الكفّار.
عن الباقر عليهالسلام قال : « مسكينا من مساكين المسلمين ، ويتيما من يتامى المسلمين ، وأسيرا من اسارى المشركين » (٤) .
وهم يقولون : لا نمنّ عليكم بإطعامكم لأنّا ﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ﴾ وطلبا لمرضاته ﴿لا نُرِيدُ﴾ ولا نطلب ﴿مِنْكُمْ﴾ بإطعامنا إياكم ﴿جَزاءً﴾ وأجرا بالمال والنفس ﴿وَلا شُكُوراً﴾ وعوضا بالمدح والدعاء.
عن الباقر عليهالسلام قال : يقولون إذا أطعموهم ذلك قال : « والله ما قالوا هذا لهم ، ولكنّهم أضمروه في أنفسهم ، فأخبر بإضمارهم ، يقولون : لا نريد منكم جزاء تكافئوننا به ، ولا شكورا تثنون علينا به ، ولكنّنا إنّما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه » (٥) .
وكذا ﴿إِنَّا نَخافُ مِنْ﴾ عذاب ﴿رَبِّنا يَوْماً﴾ تكون الوجوه فيه ﴿عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ ومنقبضا شديد الانقباض. روي أنّ الكافر يعبس يومئذ حتّى يسيل العرق من بين عينيه كالقطران (٦) . وقيل : إنّه شبّه اليوم بالأسد العبوس في الشدّة والضّراوة (٧) ، فيكون المعنى : أنّا نخاف من اليوم الذي كالأسد العبوس الشديد العبوسة ، ولذا نعطيكم ليقينا الله برحمته من شرّ ذلك اليوم العظيم.
﴿فَوَقاهُمُ اللهُ﴾ وحفظهم ودفع عنهم ﴿شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ﴾ بسبب عطائهم وخوفهم ﴿وَلَقَّاهُمْ﴾ وأعطاهم بسبب طلبهم رضى الله ﴿نَضْرَةً﴾ وبهجة كاملة في وجوههم بدل عبوس الكفّار ﴿وَسُرُوراً﴾ عظيما في قلوبهم بدل غمّ الفجّار وحزنهم ﴿وَجَزاهُمْ﴾ في القيامة ﴿بِما صَبَرُوا﴾ على الجوع وإيثار المحتاجين على أنفسهم ﴿جَنَّةً﴾ ذات أشجار وثمار وقصور عالية يسكنونها ويأكلون من ثمارها ونعمها التي لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر مثلها بقلب أحد ﴿وَحَرِيراً﴾ ولباسا من
__________________
(١و٢) أمالي الصدوق : ٣٣٣ / ٣٩٠.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٥.
(٤) أمالي الصدوق : ٣٣٣ / ٣٩٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٦٠.
(٥) أمالي الصدوق : ٣٣٣ / ٣٩٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٦٠.
(٦) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٧.
(٧) تفسير أبي السعود ٩ : ٧٢ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٧.