كلامه كلامهما. وقال آخر إنّه كاهن ، قال الوليد : من الكاهن ؟ قالوا : الذي يصدق تارة ويكذب اخرى. قال الوليد : ما كذب محمد قطّ. قال آخر : إنّه مجنون. فقال الوليد : من المجنون ؟ قالوا : مخيف الناس. فقال الوليد : ما اخيف محمد قطّ. ثمّ قام الوليد وانصرف إلى بيته. فقال الناس : صبأ الوليد بن المغيرة ، فدخل عليه أبو جهل ، فقال : مالك يا أبا عبد شمس ؟ هذه قريش تجمع لك شيئا ، زعموا أنّك احتجت وصبأت. فقال الوليد : مالي إلى حاجة ، ولكنّي فكّرت في محمد فقلت : إنّه ساحر ، لأنّ الساحر هو الذي يفرّق بين الأب وابنه ، والأخوين ، وبين المرأة وزوجها. ثمّ إنهم اجتمعوا على تلقيب محمّد صلىاللهعليهوآله بهذا اللقب ، وخرجوا فصرخوا بمكة والناس مجتمعون فقالوا : إنّ محمدا ساحر ، فلمّا سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله اشتدّ عليه ورجع إلى بيته محزونا ، فتدثّر بثوبه ، فأنزل الله ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾(١) .
وقيل : إنّه كان نائما متدثّرا بثيابه ، فجاءه جبرئيل وأيقظه ، وقال : ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ كأنّه قال له : قم واترك التدثّر بالثياب والنوم ، واشتغل بشغل النبوة التي أعطاكها الله (٢) .
وقيل : إنّ التدثّر كناية عن الاختفاء ، فكأنّه تعالى قال : أيّها المختفي عن الناس في جبل حراء ، المتدثّر بدثار الخمول والاختفاء ، قم بأمر الرسالة ، واخرج من زاوية الخمول ، وأنذر الناس ، واشتغل بالدعوة إلى معرفة الله (٣) .
وعلى أيّ تقدير أمره الله سبحانه بقوله : ﴿قُمْ﴾ من مضجعك على الأول ، أو قم قيام عزم وتصميم على الوجوه الاخر ﴿فَأَنْذِرْ﴾ الناس وخوّفهم من عذاب الله على الشرك والعصيان. عن ابن عباس ، قال : قم نذيرا للبشر (٤) . ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ وعظّم من أن يكون له شريك ، أو ممّا يقوله عبدة الأوثان ، أو فاذكره بالكبرياء ، وقل : الله أكبر.
روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية قام النبي صلىاللهعليهوآله وقال : الله أكبر كبيرا ، فكبّرت خديجة وفرحت وعلمت أنّه اوحي إليه (٥) .
وروى أنّه لمّا نزلت كبّر وأيقن أنّه الوحي ، لأنّ الشيطان لا يأمر بذلك (٦) .
قيل : إنّ حرف الفاء زائدة (٧) . وقيل : إنّه لإفادة الشرط ، والتقدير : وأيّ شيء كان فلا تدع تكبيره (٨) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٩.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٠.
(٣و٤) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٠.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩١ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٤ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٥.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٥.
(٧) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩١.
(٨) تفسير أبي السعود ٩ : ٥٤ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٥.