وقيل : إنّ الرزق بمعنى الإنبات ، والمعنى أنبتنا إنباتا للعباد (١) .
وعلى أي تقدير إنّما علّل سبحانه خلق الثمار بكونها رزقا مع أنّ فيها أيضا تبصرة وذكرى ، لكون الارتزاق بها عند الناس أظهر فوائدها ، ولأنّ الله تعالى بعد بيان كونه قادرا على خلق أجسادهم ، بيّن نعمه عليهم المقتضية لغاية قبح تكذيبهم منعمهم.
ثمّ استدلّ سبحانه على قدرته على إحيائهم بعد خلق أجسادهم بقوله : ﴿وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً﴾ وأرضا يابسة جدبة لا نبات ولا نماء فيها ، فتشقّقت وخرج منها بالمطر أنواع النبات والأزهار ﴿كَذلِكَ﴾ الإحياء للأرض إحياؤكم في القبور ، وكخروج النباتات ﴿الْخُرُوجُ﴾ منها للحشر والحساب.
روي أنّ الله يمطر السماء أربعين ليلة كمنيّ الرجال ، يدخل في الأرض ، فينبت لحومهم وعروقهم وعظامهم ، ثمّ يحييهم ويخرجهم من تحت الأرض (٢) .
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ
* وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٢) و (١٤)﴾
ثمّ هدّد سبحانه المكذّبين للرسول صلىاللهعليهوآله والمنكرين للمعاد من كفّار قريش وغيرهم بما نزل من العذاب على أمثالهم من الامم الماضية بقوله : ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ بالرسول والمعاد ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ من بني شيث وبني قابيل ﴿وَ﴾ كذب ﴿أَصْحابُ الرَّسِّ﴾.
في قصة أصحاب الرّسّ
قيل : كان الرّسّ بئرا بعدن لامّة من بقايا ثمود ، وكان لهم ملك عادل حسن السيرة ، اسمه عليس ، وكانت البئر كثيرة الماء بحيث تسقي المدينة وباديتها وجميع ما فيها من أهاليها ودوابّها وأنعامها ، ولم يكن لهم ماء غيره ، فطال عمر الملك ، فلمّا مات ضجّوا جميعا بالبكاء ، لمّا رأوا أن أمرهم قد فسد ، ثمّ طلوا جسده بالدّهن لتبقى صورته ، ولا يتغير ، واغتنم الشيطان ذلك منهم ، فدخل في جثّة الملك بعد موته بأيام كثيرة فكلّمهم ، وقال : إنّي لم أمت ، ولكنّي تغيّبت عنكم حتى أرى صنيعكم بعدي. ففرحوا أشدّ الفرح ، وأمر خاصته أن يضربوا حجابا بينه وبينهم ، ويكلّمهم من ورائه كيلا يعرف الموت في صورته ، فنصبوه صنما من وراء الحجاب ، لا يأكل ولا يشرب ، وأخبرهم أنّه لا يموت ابدا ، وأنّه إلههم ، ويتكلم الشيطان ذلك كلّه على لسانه ، فصدّق كثير منهم ، وارتاب بعضهم ، وكان المؤمن المكذّب أقلّ من المصدّق. فكلّما تكلّم ناصح
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ : ١٥٧ و١٥٨.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ١٠٩.