ببالهم كذب الرسول في دعوى الرسالة وفيما أخبر عن الله ﴿وَجاهَدُوا﴾ الكفّار والمنافقين ﴿بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ وفدوهما ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وطلبا لمرضاته وترويج شريعته ﴿أُولئِكَ﴾ الموصوفون بتلك الصفات الجليلة ﴿هُمُ﴾ بالخصوص ﴿الصَّادِقُونَ﴾ في دعوى الايمان لا غيرهم.
قيل : لمّا نزلت الآية جاءت الأعراب ، وحلفوا أنّهم مؤمنون صادقون ، فنزل (١) ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهم ردا عليهم : أيّها الأعراب ﴿أَتُعَلِّمُونَ اللهَ﴾ وتخبرونه ﴿بِدِينِكُمْ﴾ الذي أنتم عليه بقولكم : آمنا ﴿وَاللهُ﴾ باحاطته بجميع الموجودات وكلّ مخلوقاته ﴿يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ لا يعزب عنه مثقال ذرّة فيهما ﴿وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ جليل وحقير ، خفيّ أو أخفى ﴿عَلِيمٌ﴾ فكيف تخفى عليه ضمائركم حتى يحتاج في الاطّلاع عليها إلى إخباركم ؟ ! وفيه توبيخ لهم على اجتهادهم في إخفاء نفاقهم.
ثمّ لمّا أظهر الأعراب المنّة على الرسول بإسلامهم ن حيث قالوا : إنا أتيناك بأثقالنا وعيالنا وذرارينا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ، وكان قولهم ذلك في غاية القبح والشناعة ، وبّخهم الله سبحانه عليه بقوله : ﴿يَمُنُّونَ﴾ هؤلاء الأعراب ، ويظهرون التفضّل ﴿عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿أَنْ أَسْلَمُوا﴾ وحسبوا بجهلهم أنّ إسلامهم نعمة عليك ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الجهّال : ﴿لا تَمُنُّوا﴾ ولا تعدّوا النعمة ﴿عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ﴾ الظاهري المقرون بالنفاق ، لأنّه ليس بنعمة عليّ ، ولا منّة لي عليكم بدعوتكم إليه ، لأنّي عملت بوظيفة رسالتي من قبل ربّي ﴿بَلِ اللهُ﴾ المنّان ﴿يَمُنُ﴾ ويتفضّل ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بأعظم النّعم ، وهو ﴿أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ﴾ وأرشدكم إليه بتبليغي ودعوتي ، ووفّقكم لقبوله ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في دعوى الايمان.
عن القمي رحمهالله : أنّها نزلت في عثمان يوم الحندق ، وقد ارتفع الغبار من الحفرة ، فوضع عثمان كمّه على أنفه ، فقال عمار :
لا يستوي من يعمر المساجدا |
|
فيصلي (٢) فيها راكعا وساجدا |
و من يمرّ بالغبار حائدا |
|
يعرض عنه جاحدا معاندا |
فالتفت عثمان إليه ، وقال : يابن السوداء ، إياي تعني ؟ ثمّ أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : لم ندخل معك لتسبّ أعراضنا ؟ فقال رسول الله : « قد أقلتك إسلامك » فأنزل الله تعالى : ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾(٣) .
ثمّ أكّد الله سبحانه علمه بالمغيبات التي منها ما في ضمائر الناس من اعتقاد حقّانية الاسلام وعدمه
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٩٦.
(٢) كذا ، والظاهر : يصلّي.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٢٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٥٦.