وترسلون ﴿إِلَيْهِمْ﴾ خفية أخبار النبي صلىاللهعليهوآله ﴿بِالْمَوَدَّةِ﴾ وبسبب المحبّة والنصيحة ﴿وَ﴾ الحال ﴿أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ﴾ في قلوبكم من مودّتكم ، أو من الناس من كتابكم إليهم ﴿وَما أَعْلَنْتُمْ﴾ وأظهرتم للرسول من الاعتذار من إظهار المودّه لهم ﴿وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ﴾ وخالف نهيي عن موادّتهم واتّخاذهم أولياء ﴿فَقَدْ ضَلَ﴾ وأخطأ ﴿سَواءَ السَّبِيلِ﴾ ووسط طريق الحقّ والصواب الموصل إلى السعادة الأبدية والقرب من الله. عن ابن عباس : أنّه عدل عن قصد الايمان في اعتقاده (١) .
روى بعض العامة : أنّ حاطب بن أبي بلتعة - وكان من المهاجرين والبدريين والمبايعين بيعة الرضوان - لمّا تجهّز رسول الله صلىاللهعليهوآله لغزوة الفتح في السنة الثامنة من الهجرة ، كتب إلى أهل مكّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يريدكم فخذوا حذركم ، فانّه توجّه إليكم بجيش كالليل : وأرسل الكتاب مع سارة مولاة بني عبد المطّلب ، وأعطاها عشرة دنانير وبردة ، وكانت سارة قدمت من مكة ، وكانت مغنية ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لماذا جئت ؟ » قالت : جئت لتعطيني شيئا. فقال صلىاللهعليهوآله: « ما فعلت بعطائك من شبّان قريش ؟ » قالت : مذ قتلتهم ببدر لم يصل إليّ شيء إلّا قليل ، فأعطاها شيئا ، فرجعت إلى مكّة ومعها كتاب حاطب ، فنزل جبرئيل بالخبر ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا وعمّارا وطلحة والزبير والمقداد ومرثد بن أبي مرثد ، وقال : « انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ - وهو موضع بين الحرمين - فانّ بها ضعينة معها كتاب حاطب إلى أهل مكّة ، فخذوه منها ، فان أبت فاضربوا عنقها ، فأدركوها ثمّة فجحدت ، فسلّ عليّ عليهالسلام سيفه ، فأخرجته من عقائصها » .
فاستحضر رسول الله صلىاللهعليهوآله حاطبا ، فقال صلىاللهعليهوآله : « ما حملك على هذا ؟ » فقال : يا رسول الله ، ما كفرت منذ أسلمت ، وما غششتك منذ نصحتك ، ولكنّي كنت امرءا ملصقا (٢) في قريش ، ولم أكن من أنفسهم ، ومن معك من المهاجرين كان له فيهم قرابات يحمون أهاليهم وأموالهم ، وليس فيهم من يحمي أهلي ، فأردت أن آخذ عندهم يدا ، ولم أفعله كفرا وارتدادا عن ديني ، وقد علمت أنّ كتابي لا يغني عنهم. فصدّقه رسول الله صلىاللهعليهوآله وقبل عذره. فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.
فقال : « يا عمر ، إنّه شهد بدرا ، وما يدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » ففاضت عينا عمر (٣) .
أقول : في ذيل الرواية من القدح في عمر - من جرأته على رسول الله صلىاللهعليهوآله وإظهار مخالفته له - ما لا يخفى.
وعن القمي ، قال : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة - إلى أن قال - : كان سبب ذلك أنّ حاطب بن أبي
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٩٨.
(٢) أي حليفا.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٤٧٢.