عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ * لَنْ
تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ (١٤) و (١٧)﴾
ثمّ لمّا افتضح المنافقون بيّن سبحانه سوء حال المنافقين ، وأظهر التعجّب من سوء صنيعهم بقوله تعالى : ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يا من يعقل ، أو يا محمد ، ولم تنظر ﴿إِلَى﴾ المنافقين ﴿الَّذِينَ﴾ ي ﴿تَوَلَّوْا﴾ ن ، وتوادّوا ﴿قَوْماً﴾ من اليهود ، مع أنّهم قوم ﴿غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾ ولعنهم حيث ينقلون أسرار المؤمنين إليهم ، والعجب أنّ هؤلاء المنافقين مذبذبين ﴿ما هُمْ مِنْكُمْ﴾ وليسوا من زمرتكم ، لكفرهم في الباطن ﴿وَلا مِنْهُمْ﴾ لعدم اعتقادهم بدين اليهود ، وإذا لقوكم قالوا : إنّا مسلمون ، أو المراد إنّهم يشتمون الله ورسوله ، ويكيدون المسلمين ، وإذا قيل لهم : إنّكم فعلتم كذا وكذا ، أو قلتم كذا وكذا ، قالوا : والله ما فعلنا ذلك وما قلنا ذلك ﴿وَيَحْلِفُونَ﴾ ويقسمون بالله ﴿عَلَى﴾ ادّعائهم ﴿الْكَذِبِ﴾ تحفّظا على أنفسهم من القتل ، وعلى أموالهم من النّهب ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ كذب ما حلفوا عليه ، وهذا الحلف في غاية الشناعة والقباحة.
ثمّ هدّدهم سبحانه بقوله : ﴿أَعَدَّ اللهُ﴾ وهيّأ ﴿لَهُمْ﴾ في القبر على قول بعض ، أو في الآخرة ﴿عَذاباً شَدِيداً﴾ لا يمكن تحديد شدّته وتوصيفها ، لأجل ﴿إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من الكفر بالله ورسوله ، وموادّة اليهود واليمين الغموس (١) .
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان في حجرة من حجراته ، فقال لأصحابه : « يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبّار ، وينظر بعين الشيطان » فدخل عبد الله بن نبتل ، وكان أرزق ، فقال صلىاللهعليهوآله : على م تشتمني أنت وأصحابك ؟ فحلف بالله ما فعل. فقال صلىاللهعليهوآله : « فعلت » فانطلق بأصحابه فحلفوا بالله ما سبّوه ، فنزلت الآيات (٢) .
ثمّ ذمّهم سبحانه بقوله : ﴿اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ﴾ الفاجرة حين الخوف من المسلمين ﴿جُنَّةً﴾ وترسا يحفظون به أنفسهم من سيوف المسلمين ، وأموالهم من النّهب ﴿فَصَدُّوا﴾ ومنعوا الناس ﴿عَنْ﴾ الدخول في دين الاسلام ، وسلوك ﴿سَبِيلِ اللهِ﴾ والعمل بما يوجب قربهم إليه في خلال أمنهم وسلامتهم ، بإدخال الشّبهات في القلوب ، وذكر المطاعن للاسلام ، وتعييب المسلمين ﴿فَلَهُمْ﴾ في
__________________
(١) اليمين الغموس : الكاذبة ، تغمس صاحبها في الإثم.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٤٠٨.