وَلَدْنَهُمْ﴾ ووضعنهم من بطنهنّ على الأرض ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ الأزواج ﴿لَيَقُولُونَ﴾ بقولهم : إنّهنّ كامّهم في الحرمة الأبدية ﴿مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ﴾ ومخالفا للشرع والعقل من الكلام ﴿وَزُوراً﴾ وباطلا ﴿وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ﴾ وكثير التجاوز عن الذنوب التي منها هذا القول ، إن تاب أو إن لم يتب ﴿غَفُورٌ﴾ وستّار للمعاصي بجوده وكرمه.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان عدم تأثيره [ في ] تأييد حرمة الزوجة على الزوج ، بيّن ما يترتّب عليه في دين الاسلام بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ﴾ ويقولون لهنّ هذا القول المنكر ﴿ثُمَ﴾ يندمون و﴿يَعُودُونَ لِما قالُوا﴾ من الظّهار ، ويرجعون عمّا عزموا عليه من الاجتناب من الزوجة بقولهم ذلك إلى إلغائه والاستمتاع منها. وقيل : يعني يعودون إلى ما حرّموا على أنفسهم بلفظ الظّهار من الاستمتاع (١) ، وعليه نزّل القول منزلة المقول فيه ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ واعتاق إنسان مملوك من قيد الملكية واجب عليه ، سواء أكان المملوك ذكرا أو انثى ، صغيرا أو كبيرا ، مؤمنا أو كافرا ، ولا بدّ أن يكون التحرير ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ ويتلاقيا بشهوة واستمتاع ﴿ذلِكُمْ﴾ التحرير أيّها المؤمنون ليس لتعريضكم للثواب بالتحرير ، بل الغرض إنّكم ﴿تُوعَظُونَ﴾ وتنزجرون ﴿بِهِ﴾ ممّا ارتكبتم من القول المنكر والزّور ، وترتدعون عنه ، أو تؤمرون به ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الظّهار والتكفير ونحو ذلك من القليل والكثير ﴿خَبِيرٌ﴾ ومطّلع ، ومجازيكم عليه ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾ من المظاهرين الرقبة بأن لا يضملكها ولا يمكنه تملّكها بالعوض لفقره ، أو لعدم وجودها (٢) في بلده ونواحيه حين إرادة التكفير ﴿فَصِيامُ شَهْرَيْنِ﴾ هلاليين ﴿مُتَتابِعَيْنِ﴾ واجب عليه بأن يصوم شهرا هلاليا ويوما من الشهر الآخر متواليين بلا فصل بين الأيام ، ثمّ يتمّ الشهر الآخر متواليا أو متفرقا ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ ويتجامعا (٣) ويتقاربا بشهوة ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ﴾ صيام شهريت بالكيفية المذكورة ، ولم يطق ذلك لضعف البنية أو للهرم أو للمرض أو لخوفه ﴿فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً﴾ وإشباع هذا العدد من الفقراء بالإباحة أو بتمليك كلّ واحد مدّا من الطعام قبل أن يتماسّا ، وإنّما جعلنا ﴿ذلِكَ﴾ الحكم الموافق للحكمة بالبيان المعجز ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ وتصدّقوا ﴿بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ ولا تستمرّوا على حكم الجاهلية ، من القول بأنّ الظّهار أشدّ أنواع الطلاق ، وكونه محرّما أبديا للزوجة ﴿وَتِلْكَ﴾ الأحكام ﴿حُدُودُ اللهِ﴾ وشرائعه المقرّرة في دينه الذي هو مرتضيه (٤) ، لا بدّ من إطاعتها والعمل بها ﴿وَلِلْكافِرِينَ﴾ والمنكرين لها في الآخرة ﴿عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ وموجع غايته.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٥٦ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٢١٦.
(٢) في النسخة : وجوده.
(٣) في النسخة : يجامعا.
(٤) في النسخة : مرضيّة.