والنّصح وغيرهما ﴿فَقاتِلُوا﴾ أيّها المؤمنون الطائفة ﴿الَّتِي تَبْغِي﴾ وتتعدّى على الطائفة الأخرى ﴿حَتَّى تَفِيءَ﴾ وترجع الطائفة الباغية ﴿إِلى أَمْرِ اللهِ﴾ جبرا ، ﴿فَإِنْ فاءَتْ﴾ وانقادت لحكمه قهرا ، من وجوب كفّ اليد عن قتال المؤمنين ، والتحذّر عن البغي عليهم ، فاذا انصرفوا عن القتال ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ﴾ والانصاف ، واحسموا مادة النزاع والفساد بإجراء حكم الله ، وإحقاق حقّ المظلوم ، ومنع الظالم عن ظلمه ، على كتاب الله وسنّة نبيه.
ولمّا كان بعد القتال مظنّة الحقد والحيف ، قيّد الصّلح بالعدل ، وأكّده بقوله تعالى : ﴿وَأَقْسِطُوا﴾ واعدلوا في هذا الأمر وسائر الأمور ﴿إِنَّ اللهَ﴾ عادل ﴿يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ والعادلين.
عن ابن عباس رضى الله عنه : أنّ النبي مرّ يوما على ملأ من الأنصار ، فيهم عبد الله بن أبي المنافق ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله راكب على حماره ، فوقف عليهم يعظهم ، فبال حماره - أو راث - فأمسك عبد الله بن أبي بأنفه ، وقال : نحّ عنا نتن حمارك. فقد آذيتنا بنتنه ، فمن جاء منّا فعظه. فسمع ذلك عبد الله بن رواحة ، فقال : ألحمار رسول الله تقول هذا ؟ ! والله إن بول حمار رسول الله أطيب رائحة منك. فمرّ صلىاللهعليهوآله ، وطال الكلام بين عبد الله بن ابي الخزرجي المنافق ، وبين عبد الله بن رواحة الأوسي ، حتى استبّا وتجالدا ، وجاء قوم كلّ منهما من الأوس والخزرج ، وتجالدوا بالعصيّ ، أو بالنعال والأيدي ، أو بالسيف ، فنزلت الآية ، فرجع رسول الله صلىاللهعليهوآله إليهم ، فقرأها عليهم وأصلح بينهم (١) .
وعن الصادق عليهالسلام قال : « لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ منكم من يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل : من هو ؟ قال : خاصف النّعل - يعني أمير المؤمنين عليهالسلام - فقال عمّار بن ياسر : قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاثا ، وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يبلغوننا سعفات هجر ، لعلمنا أنّا على الحقّ ، وأنّهم على الباطل. وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليهالسلام ما كان من رسول الله صلىاللهعليهوآله في أهل مكّة يوم فتح [ مكة ] » (٢) .
عن الصادق عليهالسلام : « إنّما جاء تأويل الآية يوم البصرة ، وهم أهل هذه الآية ، وهم الذين بغوا على أمير المؤمنين عليهالسلام ، فكان الواجب قتالهم وقتلهم حتى يفيئوا إلى أمر الله » . إلى أن قال : « فكان الواجب على أمير المؤمنين عليهالسلام أن يعدل فيهم ، حيث كان ظفر بهم ، كما عدل رسول الله صلىاللهعليهوآله في أهل مكّة ، إنّما منّ وعفا ، وكذلك صنع أمير المؤمنين بأهل البصرة » (٣) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٧٤.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٢١ ، الكافي ٥ : ١١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٣٧ / ٢٣٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٥٠.
(٣) الكافي ٨ : ١٨٠ / ٢٠٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٥١.