وقال شارح ( نقش الفصوص في شرح كلمة حكمة إلهية في كلمة آدمية ) على ما حكاه القاضي رحمهالله قالوا : الانسان الكامل البرزخ بين البحرين ، والحاجز بين العالمين ، وإليه الاشارة بقوله سبحانه : ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ﴾(١) .
وقال إسماعيل حقي في ( تفسير روح البيان ) قيل : البحران علي وفاطمة رضي الله عنهما ، والبرزخ النبي صلىاللهعليهوآله ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ﴾ الحسن والحسين رضي الله عنهما ، انتهى (٢) .
ثمّ طالب سبحانه بعد ذكر النعمة العظيمة الشكر عليها ، وأنكر الكفران بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .
﴿وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * كُلُّ
مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ (٢٤) و (٢٨)﴾
ثمّ بعد ذكر نعمة البحر ذكر سبحانه نعمة السّفن بقوله : ﴿وَلَهُ﴾ تعالى السّفن ﴿الْجَوارِ﴾ والسائرات و﴿الْمُنْشَآتُ﴾ والمخلوقات لنفع العباد ، أو مرفوعات الشّرع ، أو المرفوعات على الماء ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ وهنّ في الارتفاع والعظمة ﴿كَالْأَعْلامِ﴾ والجبال الطوال ، فالسفن في البحر كالجبال ، كما أنّ الابل في البرّ كالسّفن في البحر.
ثمّ لمّا كان في خلق مواد السّفن وأجزائها ، والأرشاد إلى تركيبها وصنعها ، وإجرائها في البحر بقطع المسافات البعيدة في الأوقات القليلة ، وحمل الأشياء النافعة الكثيرة إلى البلاد النائية ، وتيسير المعاملات والتجارات بسببها ، نعم عظيمة لا مدخل لغير الله تعالى فيها ، حثّ الثقلين على الإقرار بها وشكرها بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .
ثمّ لمّا ذكر سبحانه البحر الذي هو من المهالك للبشر ؛ ونبّه على أنّ النجاة منه بالسّفن من نعم الله تعالى ، نبّه سبحانه على أنّه ليس لأحد أن يغتّر بالنجاة من المهالك في مدّة عمره المقدّر له ، فانّ مآل كلّ أحد إلى الفناء والموت بقوله : ﴿كُلُّ مَنْ﴾ تمكّن في الأرض ، واستقرّ ﴿عَلَيْها﴾ من الموجودات : العقلاء وغيرهم ﴿فانٍ﴾ وزائل من وجه الأرض لا محالة ، فلا يغترّ العاقل ببقائه في الدنيا وبقاء ماله من الصحة والعزّ والغنى والمال والولد ، فانّ الذي يدوم ﴿وَيَبْقى﴾ ولا يزول ولا يفنى ﴿وَجْهُ رَبِّكَ﴾ أيّها الانسان وذاته المقدّسة عن الحاجة والنقائص الامكانية ، ووجوده المنزّه عن شوب العدم
__________________
(١) احقاق الحق ٣ : ٢٧٦.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٦.