خديجة بفاطمة كانت فاطمة عليهاالسلام تحدّثها من بطنها ، وتؤنسها في وحدتها ، وكانت تكتم ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فدخل النبي صلىاللهعليهوآله يومان فسمع خديجة تحدّث فاطمة ، فقال لها : « يا خديجة ، لمن تحدثين ؟ » قالت : احدّث الجنين الذي في بطني ، فانّه يحدّثني ويؤنسني. قال : « يا خديجة ، أبشري فانّها انثى ، وإنّها النسلة الطاهرة الميمونة ، فانّ الله تعالى قد جعلها من نسلي ، وسيجعل من نسلها خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه » .
فما برح ذلك النور يعلو ، وأشعته في الافاق تنمو ، حتى جاءه الملك فقال : يا محمد ، أنا الملك المحمود ، وإنّ الله بعثني أن أزوّج النور من نور. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ممّن » قال : علي من فاطمة ، فانّ الله قد زوّجها من فوق سبع سماواته ، وقد شهد ملاكها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفا من الكروبيين ، وسبعين ألفا من الملائكة الكرام الذين إذا سجد أحدهم سجدة لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة ، أوحى الله تبارك وتعالى إليهم : أن ارفعوا رؤوسكم ، واشهدوا ملاك عليّ بفاطمة ، فكان الخاطب جبرئيل ، والشاهدان ميكائيل وإسرافيل.
ثمّ أمر الله عزوجل بحور العين أن يحضرن تحت شجرة طوبى ، وأوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما فيك ، فنثرت ما فيها من جوز ولوز وسكّر ، فاللّوز من درّ ، والجوز من ياقوت ، والسّكّر من سكّر الجنّة ، فالتقطته حور العين ، فهو عندهنّ في الاطباق يتهادينه ، يقلن : هذا من نثار تزويج فاطمه بعلي.
فعند ذلك أحضر النبي أصحابه ، وقال : « أشهدكم أنّي زوّجت فاطمة من علي » فلما التقى البحران : بحر ماء النبوة من فاطمة ، وبحر ماء الفتوّة من علي كرم الله وجهه ، هناك ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ﴾ برزخ التقوى ، لا يبغي علي عليهالسلام على فاطمة بدعوى ، ولا فاطمة على علي عليهالسلام بشكوى ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ﴾ اللؤلؤ الحسن ، والمرجان : الحسين عليهماالسلام ، فجاء السبطين شهيدين حبيبين إلى سيد الكونين ، فهما روحاه وريحانتاه ، كلّما راح عليهما وارتاح إليهما يقوله : « هذان ريحانتاي من الدنيا » وكلّما اشتاق إليهما يقول : « ولداي هذان سيدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما وفاطمة بضعة منّي يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما يؤذيها ، ويسرّني ما يسرّها ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾(١) » .
ثمّ قال القاضي رحمهالله : وبه ظهر أيضا وجه كون النبي صلىاللهعليهوآله برزخا بينهما ، فانّ وجوده صلىاللهعليهوآله مؤكّد لعصمتها وعدم صدور خلاف الأولى من أحدهما على الآخر (٢) .
__________________
(١) الشورى : ٤٢ / ٢٣.
(٢) إحقاق الحق ٣ : ٢٧٧.